أبوخزيم تكتب “السينما… تحتضر كما احتضر المسرح: موت بطيء على مقاعد الانتظار

:
بقلم الاعلامية غدير أبوخزيم ✍️
في زمنٍ كانت فيه السينما معبدًا جماهيريًا للفن، وشاشةُ العرض قدّيسةً تُصغي لها أعين الملايين، بدا أن هذا السحر لا يُقهَر. لكننا اليوم نشهد واقعًا مغايرًا، أكثر برودًا، وأشدّ عزلة. لم تَمُت السينما فجأة، بل أخذت تحتضر على مهل، مثلما فعل المسرح من قبل؛ بهدوءٍ لا يخلو من الألم، وعلى مقاعدٍ خالية لا تزال تنتظر جمهورًا لن يعود.
لم يكن المسرح أول من دفع ثمن تغيّر الذائقة وانزياح التقنية، فقد صمد لقرونٍ أمام الغزاة والرقابة والحروب، لكنه لم يصمد أمام اللامبالاة. واليوم، السينما تخوض المعركة ذاتها، ولكن بأسلحة أضعف؛ فبعد أن زاحمتها المنصات الرقمية، وأفرغتها الصالات من هويتها الاجتماعية، تحوّلت من تجربة جماعية إلى استهلاك فردي بارد، بلا ضحكة مشتركة، أو تصفيق مفاجئ، أو دمعةٍ تُخجل صاحبها في الظلام.
الخلل لا يكمن فقط في التكنولوجيا، بل في النفس البشرية التي اعتادت السرعة، والاختصار، وتجاهلت متعة الانتظار. لم يعد الجمهور يتحمل مشاهدة ساعتين من العمق البصري والدرامي، بل يُفضّل مقطعًا سريعًا على “تيك توك” أو حلقةً قصيرة على “نتفليكس”. السينما، بهذا الشكل، لم تُهزم فقط، بل أُفرغت من معناها.
وهكذا، كما وُصف المسرح ذات يوم بأنه “فن النخبة”، قد يُوصف الفيلم قريبًا بأنه “فن الماضي”. هل من خلاص؟ ربما، لكنه لن يكون عبر الحنين فقط، بل بإعادة اختراع العلاقة بين الفيلم والجمهور، بين القاعة والمُشاهد، بين الزمن والسرد.
فإما أن تُعيد السينما خلق نفسها من رمادها، أو تنتظر مصير المسرح، تصارع الموت ببطء… وأناقتها لم تفقدها حتى في لحظاتها الأخيرة.