مشاهير

أيمن شاكر يكتب : قلوبٌ تلتقي .. فتكتمل الدنيا وتزدهر الحياه

بقلم الكاتب الصحفى أيمن شاكر
نائب رئيس قسم الأدب ✍🏻

تتحدث النفوس بلغةٍ أعمق من الكلمات، وتحمل في طواياها أسرارًا لا تُفصح عنها إلّا لمن يقرأها بحنان. وفي رحلتنا الإنسانية الطويلة، نُولد وحيدين في جوهرنا، نحمل صفاتٍ قد تبدو ثابتة، مثل صخرةٍ تتصدّى لأمواج الدنيا المتلاطمة. فالرجل، كما تصف الكلمات، قد يُولد بطباعٍ فيها شيءٌ من الغِلظة والصلابة، درعًا واقيًا من قسوة العالم وعنائه. إنه لا يلين بسهولة أمام متغيرات الدهر وتحدياته، بل يقف شامخًا، صلبًا، حتى تصبح هذه الصلابة دأبه في كل صغيرة وكبيرة، سمةً ملازمةً لشخصيته في تعامله مع الحياة ومع الناس. هذه القسوة الظاهرة قد تكون رداءً يخفي وراءه إرهاقًا عميقًا، جراحًا صامتةً تنزف في الخفاء، وشوقًا دفينًا إلى ملاذٍ آمن.

لكن الحياة، في حكمتها البالغة، تخلق النصف الآخر، الشِقَّ الذي يُكمّل الصورة ويُعيد التوازن. وهنا تظهر المرأة، ليس ككائنٍ ضعيف، بل كقوةٍ ناعمةٍ هادرة. إنها ذلك “الكائن” الفريد الذي يمتلك مفاتيح القلوب المتصلبة. حين تلتقي روحٌ بروحها المكملة، تحدث المعجزة. فهي لا تغزو بصرامة، بل تطرح عن كاهله أعباءً ظنّها قدرًا محتومًا. تمرّ أصابعها الشافية، اللطيفة كنسيم الفجر، على جراحه الغائرة، فتذيب جليد السنوات، وتُعيد تدفق الحياة إلى شرايين روحه المتعبة.

عندها، وفي حضن هذا الأمان والتفهم، يبدأ التحوّل العجيب. تذوب الغِلظة، ويسقط القناع. يعود الرجل إلى سيرته الأولى، إلى براءته الأولى، إلى جوهره الإنساني النقي الذي قد تكون الحياة قد حجبت عنه. يُصبح كالطير المحلّق في سماوات الحب، خفيفًا حرًّا، فؤاده ينبض بالبهجة والتحرر. يُصبح كنهرٍ عذبٍ بعد جفاف، تتدفق مشاعره بحرية وعذوبة لم يعهدها من قبل. ويُصبح كالصفصافة اليانعة بعد إجدابٍ طويل، تنشر أغصانها الخضراء النضرة، حاملةً أوراق الأمل والحياة، بعد أن كانت شبه جذعٍ ميّت.

وبالمقابل، وبنفس القدر من العمق، تحمل المرأة في أعماقها عوالمَ من المشاعر الجياشة والجمال الخفي. قد تتكوّر على نفسها، كجوهرة ثمينة تخبئ بريقها خلف جدرانٍ من الحذر أو الخوف أو انتظارٍ غير معلن. تُحصن محاسنها، ومشاعرها، وأحلامها، داخل حصون نفسها، فلا يراها إلّا من يستحق. قد تمرّ بها لحظات تشعر فيها بالحيرة، كنجمٍ وحيدٍ في فضاءٍ شاسع، يلمع لكنه يبحث عن سمائه الخاصة، عن ذلك الفضاء الرحب الذي يحتضنه ويسمح له بالتألق دون خوف. وهذا الفضاء الرحب هو الرجل الذي يحمل سعة السماء في قلبه وصدره. الرجل الذي لا يقيد، بل يمنح الأمان الذي يسمح لها بالانطلاق. الرجل الذي لا يحجب نورها، بل يكون القبة الزرقاء التي تزيده إشراقًا. حين تجد المرأة هذا الملاذ الآمن، وهذا الصدر الرحب، تسكن روحها المضطربة .
لا تندفع بقوة، بل تنساب . تنساب عليه مودةً كالنهر الهادئ يروي ظمأ الأرض، ورحمةً كالسحابة الماطرة تُحيي القلوب الميتة . تتحرر من حصونها الداخلية، وتُطلق سراح مشاعرها المحبوسة، لتزهر وتثمر في رحاب هذا الحب الآمن.

هذه العلاقة التكاملية ليست من صنع الصدفة أو رفاهيةً عابرة. إنها تناغمٌ كوني، وحكمةٌ إلهيةٌ بالغةٌ تجسدت في قصة الخلق الأولى .

لقد خُلق آدم، بكل قوته وصرامته الظاهرية، وفي قلبه فراغٌ لا يملؤه إلّا ذلك السكب الرقيق من قلب حواء. سكبٌ من الحنان، والفهم، والرحمة، والمشاعر العميقة التي تغسل وحشة الروح .
فبعد الاستيحاش في صحراء الوحدة والقسوة، يأتي هذا السكب الإلهي ليجعل القلب “يستأنس”. ويأتي ليجعل الروح “تحيا بعد رميم”، بعد أن كادت أن تتحول إلى ترابٍ من فرط الجفاف العاطفي والوحدة. إنها عملية إحياءٍ متبادلة، تبادلٌ للقوة والنعومة، للصلابة والمرونة، للأرض والسماء.

فالحب الحقيقي بين الرجل والمرأة، كما تصوره هذه الكلمات الخالدة، ليس مجرد عاطفة عابرة أو رابطة مصلحة . إنه لقاء أرواحٍ تبحث عن اكتمالها، عن نصفها الضائع في رحلة الوجود .
هو تحوّل جذري يُعيد تشكيل الشخصية، يُخرج الأفضل والأجمل من أعماق كل منهما. الرجل يكتشف في حنان المرأة القوة الحقيقية التي لا تُقهر، والمرأة تكتشف في قوة الرجل وأمانه الأرض الخصبة التي تُزهر فيها كيانها. معًا، في هذا الامتزاج المقدس، يتحول الصلب إلى لين، والمتواري إلى متألق، والميت إلى حي. يصبحان نسيجًا واحدًا، قادرًا على مواجهة صعاب الدنيا بقلبٍ واحد، وروحٍ واحدة، تفيض بالعطاء وتصنع من عالمٍ قاسٍ جنةً صغيرةً تزهر بالتفاهم والرحمة.

فيا أيها القارئ الجميل ❤️
في اللحظة التي تذوب فيها الحدود بين “أنا” و”أنت”، وتتحول إلى “نحن” واحدةٌ متكاملة، تنكشف أعظم معاني الإنسانية .
فليس الحب مجرد شعور، بل هو ولادةٌ جديدة، حيث تُبعث الروح من رميم الوحدة، وتزهر القلوب بعد قحط، ويصبح العطاء هو اللغة الوحيدة التي تفهمها الأرواح المتآخية في رحمة الخلود .

سنلتقى إن كان فى العمر بقيه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى