إيران تُطلق سيلًا من النار : قصور قيسارية تحت ضربة الصواريخ .. واستنزافٌ في سماء إسرائيل

بقلم الكاتب الصحفى أيمن شاكر
نائب رئيس قسم الأدب ✍🏻
في ليلةٍ تحوَّل فيها هدير البحر المتوسط إلى رعدٍ مُدَوٍّ ، أعلنت طهران عن ضربةٍ مُركَّبة تستهدفُ نُخبةَ السَّاحل الذهبي : منتجع قيسارية الفاخر حيث تُلامس قصور الأثرياء الرمال ، وتُزيّن ساحاته سياراتٌ بملايين الدولارات ، وتُحرسه عيونٌ لا تنام .. وفق الرواية الإيرانية ، لم تكن القصور وحدها في مرمى النيران ، بل شملت الضربة محطة “الخضيرة ” للكهرباء ، وكأنها رسالةٌ مفادها : ” حتى جناتكم الصناعية ليست بمنأى عنا “.
* التقنية القاتلة : عندما تتجاوز الصواريخ حاجز الزمن
ما يُقلق العقل في هذه الضربات ليس عددها ، بل كيفيتها . فإيران تُشغّل الآن ترسانةً من الصواريخ فائقة السرعة (الفرط صوتية) التي تبدأ من 5 ماخ (6,125 كم/ساعة) ، وتصل إلى 11 ماخ في صواريخ مثل “فتاح-٢ ” .. سرعةٌ تجعل الزمن عدواً للدفاع . في 11 دقيقةً فقط ، يقطع الصاروخ المسافة من إيران إلى قلب إسرائيل ، حاملاً رؤوساً تفجيريةً ثقيلةً تُحوِّل القصور إلى ركام .
هنا يصبح كل ثانيةٍ نقاشاً بين الحياة والموت.
* الشطرنج الدفاعي : ثلاث طبقات .. وخطة إيرانية للاختراق
مواجهة هذا التهديد تتطلب آلةً دفاعيةً معقدةً تعمل كـ ” مثلث ناجح ” :
– ساد : عيونٌ في السماء تُحدد الأهداف بعيدة المدى.
– مقلاع داوود : شبكة تصدي للصواريخ متوسطة المدى.
– القبة الحديدية : خط الدفاع الأخير ضد القذائف القصيرة.
لكن الإيرانيين يلعبون لعبةً ذكيةً : يُغرِقون السماء أوّلاً بصواريخ باليستية تقليدية تستنزف أنظمة الاعتراض ، ليفتحوا الثغرة للصواريخ الفرط صوتية التي تنفذ كالسكين في الزبدة .
إنها حربٌ إلكترونيةٌ بدمٍ حقيقي .
* المفارقة الأليمة : حياةٌ تحت الأرض .. وحُكامٌ فوق الأنقاض
اللافت أن الضحايا ليسوا بالعدد المُتوقَّع رغم شراسة الهجمات ، والسرُّ يكمن في مليون ملجأ منتشرٍ كخلايا نحل تحت الأرض :
– مماد : غُرفٌ خرسانيةٌ داخل شقق المدنيين ، بأبوابٍ فولاذيةٍ وأنظمة تنقية هواء.
– مماك : ملاجئ جماعية في أساسات العمارات ، مُخزَّنةٌ بالطعام والاتصالات.
– ميلكت : محطات مترو وهمية في الشوارع ، تُشبه مداخل عالمٍ خفي.
يتدرب الإسرائيليون منذ الطفولة على اختبارات “التيتسافيم” (الانبطاح السريع) ، حيث يُحولون 90 ثانيةً إلى روتين خلاص .
لكن كل هذا التحصين يُسقط سؤالاً وجودياً :
أي حياةٍ هذه التي تُختزل في الهروب إلى جحورٍ إسمنتية ؟
* المشهد الأكثر إثارةً للاشمئزاز : رئيس الوزراء .. ومسرحية الملاءة
في ذروة السخرية المأساوية ، ظهر رئيس الوزراء وهو يخرج من قبو قصره البحري ، متغطياً بملاءةٍ بيضاء كشبحٍ تحت حراسةٍ مشددة ، ليزور مستوطنة “بات يام” المنكوبة .
الكاميرات التقطت ” لقطة التعاطف ” بينما كان السكان يلملمون جراحهم ، قبل أن يختفي الرجل عائداً إلى اجتماعاته الآمنة تحت الأرض .
المشهد يُلخص تناقضاً فجاً : قادةٌ يروّضون الخوف إعلامياً ، وشعبٌ يدفع ثمن خطاياهم تحت الصواريخ .
* الخاتمة : عندما تصبح الأرض شاهدةً على الغضب المكبوت
اليوم ، تُختبر شرعية الوجود في هذه الأرض ليس بقوة الجيوش، بل بقدرة الإنسان على الحفاظ على إنسانيته تحت القصف .
كل صاروخٍ إيرانيٍّ يُذكّرنا أن القصور الفارهة قابلةٌ للتبخر في ثوانٍ ، وكل ملجأٍ يُثبت أن الخوف صار ساكناً في جينات هذا الجيل .
لكن الأكثر إيلاماً هو سؤال المصير : كم من الغضب يمكن أن تختزنه هذه الأرض ؟
هل تُدرك النخب أن ملاجئها المحصنة لا تحميهم من حقيقةٍ واحدة :
أن دماء الضحايا تتحول إلى بذورٍ للغضب ،
وأن صمت العالم أمام الظلم ليس حياداً.. بل تواطؤاً ؟
وأن كل طفلٍ يولد في قبوٍ مظلمٍ سيسأل يوماً :
ـ لماذا ورثنا حرباً لم نبدأها .. وجحيماً لم نصنعه ؟
هذه ليست مجرد معركة صواريخ ، إنها صراع الروايات الأخير ، حيث تتهاوى الأقنعة ، وتُفضح الأكاذيب ، ويبقى الجرح عميقاً في ذاكرة الأرض .. كالرصاصة التي لا تُزال من القلب .
سنلتقى إن كان فى العمر بقيه