مشاهير

التقدير : النَّسمة التي تُحيي قلوبًا توشك أن تموت

بقلم الكاتب الصحفى أيمن شاكر
نائب رئيس قسم الأدب ✍🏻

في صراعنا مع الحياة ، قد ننسى أن الوجود الإنساني لا يُقاس بكمِّ ما نفعله ، بل بمدى ما نُشعِر به الآخرين من قيمتهم . فمن أصعب ما يواجه العلاقات الإنسانية ليس الخيانة أو البعد أو حتى الجرح فقط ، بل ذلك الصمت الثقيل الذي يخيّم عندما يغيب التقدير . إنه الجرح الذي لا ينزف دمًا ، لكنه يقتل الروح ببطء ، يترك الإنسان يتساءل : هل يستحق كل هذا العطاء ؟

التقدير ليس مجرد كلمة عابرة أو إيماءة شكلية ، بل هو اعتراف صادق بأن وجود الآخرين قد غيَّر شيئًا في عالمنا ، بأن جهودهم كانت خيطًا في نسيج حياتنا . حين يغيب هذا الاعتراف ، تتحول العلاقات إلى مسرح من الأحذية الثقيلة تدوس على مشاعر من لا نراهم ، كم من قلوبٍ انكسرت لأن أحدًا لم يقل لها شكرًا ؟
كم من الحُبِّ تحوَّل إلى رماد لأن أحدًا لم يلتفت إلى تقدير الأخر ؟

الإنسان كائنٌ عجيب ، يستطيع أن يحمل جبالًا من التعب إذا ما شعر بأن هناك عينًا ترى ، وقلبًا يَقدِر ، لكنه قد ينهار تحت حبة قمح إذا أُجبر على العطاء بلا روح . التقدير هو الوقود الذي يُشعل حماسه ، هو النور الذي يمنحه سببًا ليواصل السير في عتمة الأيام . انظر إلى الطفل الذي يرسم لأمه لوحة ، فتَبتسم له ، فيُضاعف إبداعه ، وانظر إلى الموظف الذي يُبادَر بثناء صادق ، فيُعيد اكتشاف طاقاته الكامنة . التقدير لا يغير أفعالنا فحسب ، بل يغير من نكون !

الأمر أشبه بمعجزةٍ خفية ؛ ففي اللحظة التي تشعر فيها بأنك مُقدَّر ، تتحول من إنسانٍ يعيش على هامش الحياة إلى بطلٍ في قصته. التعب يتبدد ، والمخاوف تتلاشى ، لأنك تعلم أن هناك من يرى فيك أكثر مما تراه في نفسك. كم من شخصٍ سار آلاف الأميال ليُلبّي نداء من قدَّره ؟ وكم من آخرين رفضوا أن يحركوا ساكنًا لأنهم لم يجدوا في عيون الآخرين إلا برودَ الجحود ؟

المفارقة المؤلمة أن التقدير لا يكلف شيئًا ، لكننا نتصرف كأنه أغلى من الذهب . ننسى أن الابتسامة ، أو كلمة الامتنان ، أو نظرة الفخر ، قد تكون سببًا في إنقاذ إنسان من دوامة اليأس. نتعامل مع المشاعر كأنها عملة نادرة ، بينما الحقيقة أنها كنزٌ لا ينضب كلما وزَّعناه .
أليس غريبًا أننا نبخل بما لا يملك ثمنًا ؟

في النهاية ، التقدير هو اللغة الوحيدة التي تفهمها القلوب قبل العقول ، هي الجسر الذي يعبر فوق هوة الوحدة ، هو الدليل الذي يقول للآخر : ” أنت مهم ، وجودك يُغيّر ، وجهدك ليس ضائعًا “.
فلماذا نترك من نحبهم يغرقون في صمتنا ؟
لماذا نعتقد أن الحُبَّ يكفي دون أن نرويه بكلمات الامتنان ؟

فليكن التقدير عادةً نزرعها في كل علاقة ، في بيوتنا ، في أعمالنا ، في صداقاتنا ، فالإنسان لا يحتاج إلى تماثيل تُخلَّد اسمه ، بل إلى قلبٍ يهمس له : ” لولاكَ ، لكان العالم أكثر ظلامًا “.

” فلا تنتظر حتى يغيبوا عنك لتبكي قيمتهم ، قدِّرهم اليوم ، فالحياة تُسرق الأرواح ، ولكنها لا تُسرق الذكريات .”

سنلتقى إن كان فى العمر بقيه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى