الغرق في عينيك : حين يصبح الحب غوصًا نحو المجهول

بقلم الكاتب الصحفى أيمن شاكر
نائب رئيس قسم الأدب ✍🏻
منذ أن رأيتُ عينيك ، أدركتُ أن للغرق طرقًا أخرى غير الماء . لم تكن تلك مجرد كلمات تُنسج من فرط الشغف ، بل اعترافٌ بأن الحب قادرٌ على اختراق قوانين الطبيعة نفسها ؛ فكما يُغيّر الماءُ شكل الجسد حين يغوص فيه ، تُغيّرُ عيناك شكل الروح حين تُلقِي بها في أعماق لا تُقاس . لستُ أعرف كيف بدأ الأمر ، لكنني أعرف أنني لم أعد أتنفس الهواء كما كنت من قبل ، صرتُ أختنقُ كلما ابتعدتُ عن ضوئهما ، وأعيشُ كلما اقتربتُ من شاطئهما الوهمي .
فهل يُعقل أن تكون العينان بحرًا يُغرق دون أن تبلل الجسد ؟ وأن تكون الغصة التي تملأ الحلق مجرد ذكرى لوهلةٍ التقت فيها نظراتُنا ؟
الغرق في الماءِ سهل الفهم.؛ فهو فعل فيزيائي بحت ، تُجبر فيه الرئتان على الاستسلام ، ويُسحب الجسدُ إلى الأسفل تحت وطأة الضغط. لكن الغرق في الحب … أمرٌ لا يخضع لقواعد ! إنه سقوطٌ بطيء في فراغٍ من المشاعر المتضاربة ، حيث تُحاصرك الذكريات كأمواجٍ عاتية ، وتجرفك التفاصيل الصغيرة إلى حيث لا قاع .
كل نظرة من عينيك هي شُهقة هواء أخيرة قبل أن تغوصَ في عالمٍ لا تعرفُ فيه سوى صوت دقات قلبك ، وهي تُناظر إيقاعَ صمتهما. هنا، في قاع عينيك، أجدُ نفسي أكتبُ قصيدتي الأخيرة بأحرف من لهيب ، وأدفنُ كل ما تبقى منّي تحت رمال مشاعر لا تُهدأ.
في الغرق التقليدي ، يحاول الإنسان الصعود إلى السطح بحثًا عن النجاة ، لكن في غرق الحب ، تكون النجاةُ نفسها هي الخطر الأكبر .
فكلما حاولت الهروب من عمق عينيك ، ازداد شوقي إلى الاختناق بين أمواجهما .
كيف لشيءٍ بهذا الجمال أن يكون قاتلًا ؟ وكيف لضحكةٍ عابرة أن تُطلق في روحي أعاصيرَ لا تُسكّن ؟ يبدو أننا نبحث دائمًا عما يؤذينا ، نتهافت على السّم الذي يمنحنا شعورًا زائفًا بالخلود ، وكأن الألم هو الدليل الوحيد على أننا ما زلنا أحياء.
لا يحتاج الغرقُ في العينين إلى أمواجٍ أو أعماق سحيقة ، بل إلى نظرةٍ واحدة تنسف كل حواجز الوقاية. إنه الغرق الوحيد الذي تُغنّي فيه الروحُ أغنية الانكسار بكل براءة ، وتُعلن فيه الهزيمةَ بكل فخر. فما أقسى أن تدرك أنك سقطت في هوةٍ لا قرار لها ، لكنك ترفض أن يتم إنقاذك ! لأنك تعلم أن الخلاصَ منها يعني الخلاصَ من نفسك ، ومن كل ما جعل قلبك ينبض ذات مرّة.
في النهاية ، قد لا يختلف غرقُ الحب عن غرق الماء سوى في شيء واحد : عندما ينتهي الغرق في الماء، يصير الجسدُ طيفًا . أما عندما ينتهي الغرق في العينين، يصير القلبُ طيفًا … يتردد في زوايا الذاكرة ، ويُغمض عينيه كل ليلةٍ ليعودَ إلى نفس الأعماق . أعماق تُشبه عينيك، تُعلّمني كل يومٍ أن الموتَ ليس نهايةَ الغرق ، بل بدايته .
سنلتقى إن كان فى العمر بقيه