بين جدران الدار .. حربٌ تُذيب الروح : حين يتحول الحبيب إلى خصمٍ عنيد
بقلم الكاتب الصحفى أيمن شاكر نائب رئيس قسم الأدب ✍🏻

بقلم الكاتب الصحفى أيمن شاكر
نائب رئيس قسم الأدب ✍🏻
العيشُ مع طرفٍ عنيدٍ ليس خلافًا عابرًا أو سوءَ تفاهمٍ بسيطًا. إنه حربٌ متواصلة، لا تُخاض بالسلاح والدبابات، بل هي حربٌ نفسيةٌ وعاطفيةٌصامتة ، تدور رحاها كل يوم بينك وبين من ينبغي أن يكون حصنك الحصين، وأقربَ النفوس إلى قلبك .
هذه الحرب لا تترك جروحًا ظاهرة، لكن جروحَها تنغرز في الأعماق، تُنهك الروح وتستنزف القوى.
ذلك الخصم العنيد لا يقف عند حد الرفض أو التمسك بالرأي. إنه يحارب كيانك ذاته. يُعاندك لمجرد العناد، يحوّل كل حوارٍ إلى معركة إرادات، ويسعى وعيًا أو دون وعي إلى تشويه صورتك أمام أعزّ الناس ، حتى أمام أبنائك .
إنها ضربةٌ قاصمة ، أن ترى نفسك تُهاجم في قدس الأقداس، في صِلةِ رحمك وفلذات كبدك. الأذى لا يتوقف هنا ؛ فهو استنزافٌ ماديٌ بصراعاتٍ لا تنتهي حول المال ، واستنزافٌ عاطفيٌ لا يرحم ، يجعلك تشعر أنك تُهدَر في الفراغ . كل جهدٍ تبذله لبناء حياةٍ مستقرةٍ أو ذكرياتٍ جميلةٍ، يقابله هدمٌ منهجيٌ لكل ما تحاول رفعه. كأنك تسير فوق رمالٍ متحركةٍ لا تستقر أبدًا.
والأمرُ الأكثر إيلامًا ؟ لا تُجدي المحاولة .
مهما بلغ تنازُلك، وتغاضيك عن الهفوات، وسعيك لتجاوز الماضي، يصطدم صبرك بجدارٍ من العِناد. كل تنازلٍ تقدمه يُفسَّر ضعفًا يستوجب مزيدًا من الضغط. كل طيبةٍ تمنحها، كل بادرة صلحٍ، تُقلب ضدك : إما زلّةٌ تندم عليها، أو نفاقٌ وادّعاء! تشعر أنك تُسحب قسرًا إلى معارك لم تخترها ولم تسعَ إليها. وحين تجمع أشلاء قواك وتنادي: “هيا نبدأ من جديد، ننسى ما مضى” ، يصطدم رجاؤك بصخرة الماضي : ” أنا لم أنسَ ما جرى “. كلماتٌ تقتل أي بصيص أملٍ في التغيير أو المصالحة.
النتيجة ؟ تشعر بأنك لا تعيش. تحمل لقب “زوج” أو “زوجة”، لكنك في الحقيقة لست شريكَ حياةٍ، بل متهمٌ دائمٌ. حياتك أصبحت محكمةً دائمةً ، تقف فيها يوميًا في قفص الاتهام. تدافع عن نواياك، عن أفعالك، عن كلماتك، لكن لا عدلَ في هذه المحكمة، ولا قاضٍ يسمع صوتك أو يُصغي إلى حجتك.صوتك يُختزل، برهانك يُرفض، مشاعرك تُهمّش. هذا هو الألم الأصم : ألمُ الظلم، وألمُ عدم الفهم، وألمُ أن يكون عدوك هو من يفترض أن يكون سندك. ألمٌ لا يهدأ، ولا يزول إلا بنهاية الطريق المؤلمة: الفراق.
إذن، ليست هذه حياة زوجيةً بالمعنى الحق. إنها حياة دفاعٍ مستمرٍ. حياتك تدور حول صد هجومٍ متوقّع، أو تفنيد اتهامٍ باطلٍ، أو تجنّب أزمةٍ جديدةٍ تطل برأسها فجأة. مشاكل لا نهاية لها، دوامةٌ لا مفرّ منها. وفي خضم هذه المعركة الوجودية، بين الدفاع عن نفسك ومحاولة إنقاذ ما تبقى من استقرار، يحدث الأمر الأكثر قسوة: تبدأ بفقدان نفسك، شيئًا فشيئًا. تفقد بريقك، وحماسك، وثقتك، حتى هويتك الحقيقية تذوي تحت وطأة القتال الداخلي.
الفراق.. ليس هروبًا، بل هو استردادٌ لبقايا روحك، قبل أن تتحول إلى ظلٍّ باهت.. أو جرحٍ لا يُندمل .
سنلتقى إن كان فى العمر بقيه