مشاهير

ضعف النفس: استسلام أنيق أم خيانة صامتة

ضعف النفس: استسلام أنيق أم خيانة صامتة؟

 

في عالمٍ يعجّ بالصخب والمظاهر، قد تمرّ أمامنا وجوه كثيرة تبدو هادئة، متزنة، بل وربما أنيقة في تعاملها، لكن خلف ذلك الهدوء قلوب خائفة، ونفوس ضعيفة، تخلّت عن كثير من القيم في صمتٍ مخيف. فهل ضعف النفس مجرد هروب من المواجهة؟ أم هو خيانة هادئة لكل ما يجب أن نتمسّك به؟ وهل يُعقل أن يتحوّل الاستسلام إلى فضيلة يتغنى بها البعض؟

ضعف النفس ليس عجزًا بدنيًا، بل اختلال داخلي يصيب الضمير. هو تلك اللحظة التي يعرف فيها الإنسان الحق… لكنه يتجاهله. يعرف الظلم… لكنه يسايره. يرى الخطيئة… لكنه يبررها. إنه صوت داخلي يقول: “دع الأمور تمضي كما هي، لا تتدخل، لا تخسر أحدًا”، بينما في المقابل تخسر نفسك.

ويأتي هنا دور “أحباب الضعف”، أولئك الذين يصافحونك بابتسامة، ويثنون على صبرك وسكوتك، لا لأنك حكيم، بل لأنك سهل. يحيطون بك لتبرير استسلامك، ويقنعونك أن الكرامة يمكن تأجيلها، وأن المبادئ قابلة للتفاوض.

لكن النفس القوية تعرف أن الصمت ليس دائمًا حكمة، وأن التنازل المتكرر يقتل الإنسان قطعة قطعة. النفس القوية لا تعني التصلب، بل الثبات. لا تعني العنف، بل الوقوف على أرض المبادئ دون تلوّن. وهنا يتجلّى الفرق: هل تسكت لأنك حكيم؟ أم لأنك تخشى أن تُفقد مكانًا أو تُغضب شخصًا، أو تخسر مصلحة؟

إن ضعف النفس يبدأ حين يخشى الإنسان المواجهة، ويتضخّم حين يعتاد التبرير، ويتحول إلى أسلوب حياة حين يجد من يصفّق له. وهنا تتحوّل الطيبة إلى سذاجة، والتسامح إلى ضعف، والهدوء إلى خنوع. فلا تعجب إن وجدت صاحب النفس الضعيفة متصدرًا المشهد، محبوبًا من الجميع… لأنه لا يُزعج أحدًا.

لكن السؤال الحقيقي هو: كم مرّة راجعت نفسك حين سكتّ؟ هل كان سكوتك صبرًا؟ أم هروبًا؟ هل كان تصرفك حكيمًا؟ أم ضعيفًا؟

في النهاية لسنا مطالبين بالبطولة في كل موقف، لكننا مطالبون بألا نخون قيمنا. فالحياة قد تغفر لنا أخطاءنا، لكنها لا تغفر أن نعيشها بأقنعة.

 

ضعف النفس قد يبدو أنيقًا… لكنه في حقيقته خيانة صامتة.

بقلم:د. حمده حسن

استشاري العلاقات الأسرية والتربوية _ استاري التربية الخاصة. مدرب دولي معتمد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى