أقنعة القوة … وحكايات القلب الممزوجة بالوجع

بقلم الكاتب الصحفى أيمن شاكر
نائب رئيس قسم الأدب ✍🏻
في عالمٍ يلهث وراء الصور النمطية للكمال، يتحول البشر أحيانًا إلى ممثلين بارعين في مسرح الحياة اليومي. نرتدي أقنعةً لا تعكس حقيقتنا، نبتسم حين ينتظر الآخرون ذلك، ونخفي دموعنا خلف ستار من النصائح التي نقدمها للعالم وكأننا نحمل إجابات كل الأسئلة. لكن ماذا عن القلوب التي تنزف في الخفاء ؟
تلك التي ترفع راية الصمود بينما تطحنها رياح الوحدة والأسئلة التي لا تجد إجابة ؟
ليست القسوة في أن نُجرح، بل في أن يُطلب منا أن نُطبّل لجراحنا وكأنها زينة. مجتمعاتنا ترفض اعترافات الضعف، وتتعامل مع المشاعر الإنسانية كعارٍ يجب إخفاؤه. فالحديث عن الألم يُختزل في “سلبية”، والاعتراف بالخوف يُوصم بالهشاشة. وهكذا يصبح الإنسان سجينًا لصورته التي صنعها للآخرين، فيُجبر على حمل أثقاله في صمت، خائفًا من أن يُلام إذا ما سقط، أو يُنبذ إذا ما اعترف بأنه لا يستطيع التحمل.
الغريب أننا نعيش في عصر التواصل اللامتناهي، لكننا نفتقد إلى التواصل الحقيقي. نتبادل الآلاف من الكلمات، لكن قلوبنا تظل جزرًا معزولة. نضحك معًا، نعمل معًا، لكن حين يخيم الظلام، لا نجرؤ على أن نهمس : ” أنا متعب “. لأننا نعلم أن الأغلبية ستصاب بالذعر إذا ما رأت القناع يسقط، فتعود لتلملم حطامها وتفرّ من مشهد الألم كأنه وباء.
لكن هل تعرف ما هو أكثر إيلامًا من الصمت ؟
أن تحاول الصراخ فلا يسمعك أحد .
أن تمد يدك طالبًا العون، فيظن الجميع أنها مجرد حركة عابرة. أن تختار أن تكون ضعيفًا لمرة واحدة ، فيذكّرك العالم بأن هذا الدور ليس لك. وهنا يتحول القلب إلى غريب حتى عن نفسه، فلا يعرف كيف يطلب المساعدة ، ولا كيف يتوقف عن لعب الدور الذي أُجبر عليه.
لكن ثمة حقيقةٌ مضيئة في هذا الظلام : الأقنعة لا تُصلح القلوب، والهروب من الضعف لا يمحو الجروح. القوة ليست قبعة نرتديها، بل هي قرار نصنعه كل يوم بأن نعيش بصدق، حتى لو كان هذا الصدق مؤلمًا. قد لا نستطيع تغيير عالمٍ يقدّس الصورة أكثر من الجوهر، لكننا نستطيع أن نكون شموعًا صغيرةً في عتمة بعضنا. أن نتعلم أن نرى ما وراء الابتسامات المصطنعة، وأن نمنح الألم مساحةً ليتنفس دون خوف من الحكم أو السخرية.
ربما لن نجد دواءً سحريًا يمحو كل الآلام، لكن قد نجد في يدٍ حانية، أو صمتٍ محمّلٍ بالتفهم، أو نظرةٍ تقول : ” أعلم أنك تتألم .. وهذا يكفي “، جرعة أملٍ تمنحنا الشجاعة لنواصل. فكم من الأرواح قد تُنقذ بكلمة حنونة، أو حضن دافئ، أو إصرارٍ على أن نقول لها : ” لا بأس أن تكون غير قويٍ الآن .. فأنا هنا “.
لنحمل جراحنا بكل شجاعةٍ هذه المرة، ولنرفض أن نموت مرتين : مرةً تحت وطأة الألم، ومرةً تحت ثقل الصمت. فالحياة تستحق أن نعيشها كما نحن… بكل صدقنا، وضعفنا، وألمنا الذي قد يتحول يوماً إلى قصيدة أمل. 💔
سنلتقى إن كان فى العمر بقيه