اخبار اليوم

أيمن شاكر يكتب : إذا كان الحجر ينبت حين يُسقى بالعطاء ، فكيف بقلب الإنسان ؟

بقلم الكاتب الصحفى أيمن شاكر
نائب رئيس قسم الأدب ✍🏻

في زحمة العالم وصخبه ، حيث تختفي الأصوات تحت وطأة الضجيج ، تبقى لغة الحِنان هي الوحيدة القادرة على اختراق جدار الصمت المُطبِق . تلك اللغة التي لا تحتاج إلى كلمات ، بل إلى نبضٍ خفيٍّ يلامس الأعماق ، فيُحيي ما ظنَّ الجميع أنه مات .
إنها معجزةٌ تُشبه سقْي الحجر بالماء ، حين يُلامس البللُ سطحه القاسي ، فيذوب شيئًا فشيئًا ، لتنبثق من شقوقه حياةٌ لم تكن مرئية ، لكنها كانت تنتظر فقط لمسة حنانٍ لتُعلن وجودها .

ليست القسوة دليلَ قوةٍ ، كما أن الصمت ليس دليل موت . فكم من قلوبٍ توقفت عن النبض تحت وطأة خيباتٍ متكررة ، لكنها حُفِظت في صندوق الأمان ، تنتظر يدًا دافئة تفتحه ، ونظرة حانية تذيب جليد اليأس . الحجر الذي يبدو جامدًا في الظاهر ، يحمل في داخله ذكريات الأمطار ، ووعود الربيع ، يحتاج فقط إلى من يصدق أن بإمكان الحياة أن تنبت من جديد. الحِنان هو ذلك السَّاحر الذي يحوِّل الصحراء إلى واحة ، ليس لأنه يغير الجغرافيا ، بل لأنه يمنح العينين شجاعةً لترى الماء تحت الرمال.

في حكايات البشر ، ثمة لحظاتٌ فارقةٌ تُشبه تلك المعجزة : طفلٌ يتيمٌ يجد في حضنٍ دافئٍ وطنًا بدلًا من الشارع ، امرأةٌ أنهكها الخذلان تُعيدها كلمةٌ رقيقة إلى الحياة ، رجلٌ عانى الوحدة سنواتٍ يكتشف فجأة أن الحب لم يكن بعيدًا ، بل كان يطرق بجواره طوال الوقت .
كل هذه القصص تشير بأن اليأس خدعةٌ كبيرة ، فالحياة لا تموت ، بل تُغَطَّى بطبقات من الصقيع ، حتى يأتي دفءٌ ما ، فيذيبها.

ربما تكون أعظم مفارقات الوجود هي أن أعمق أشكال الحياة قد تأتي من أكثر الأماكن ظلمةً. كالنبتة التي تشقُّ طريقها من تحت الأنقاض ، أو الفراشة التي تخرج من شرنقةٍ مظلمة ، هكذا الإنسان حين يُحيط به الحِنان، حتى لو كان من أقسى القلوب ، فإنه يبدأ بالانكسار بلطف ، ليس انكسارَ هزيمة ، بل انكسارَ تحرر . كأن الحجر حين يتشقق، لا يموت ، بل يتحول إلى فجوةٍ يمر منها الضوء.

في النهاية ، ليست الحياة سوى رحلة بحثٍ مستمرة عن ذلك الحنان القادر على تحويل الصمت إلى أغنية ، والجراح إلى قصص نجاح. فإذا كان الحجر ينبت حين يُسقى بالعطاء ، فكيف بقلب الإنسان ؟ ربما الجواب يكمن في تلك اللمسة التي تمنحها لشخصٍ ما دون أن تنتظر شيئًا ، أو الكلمة التي تُهمس بها في أذن من فقد الأمل ، ليتذكر فجأةً أن القلوب لا تموت ، بل تُنسى … حتى يأتي الحِنان فيُذكِّرها بأنها مازالت على قيد الحياة.

سنلتقى إن كان فى العمر بقيه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى