مشاهير

أيمن شاكر يكتب : الـحياة ثقيلة .. ولكن حضن إنسان تحبه قادر على الشفاء من الألم

بقلم الكاتب الصحفى أيمن شاكر
نائب رئيس قسم الأدب ✍🏻

بكل صراحة ووضوح ، الحياة ليست سهلة، وليست رحْلةً ممهَّدةً على الإطلاق . إنها صعبة ، صعبةٌ جدًا ، حتى عندما نحاول التمسك بشراع التفاؤل والإيجابية ، وحتى عندما نُظهِر الرضا والابتسام . ففي أعماقها ، ثمة تعبٌ مُزمنٌ يستوطن العظام ، ومجهودٌ لا ينتهي ، وضغطٌ يوميٌّ يلتهم طاقتنا قطرةً قطرة ، وكأنه يسرق أنفاسنا بهدوء. ومن يقول غير ذلك ، فكلامه بعيدٌ عن الحقيقة ، وربما هو محضُ تزييفٍ للواقع المرير الذي نعيشه.

تلك الصباحات التي تستيقظ فيها وكأن جسدك من رصاص ، لا تقوى على النهوض ، وتلك اللحظات التي تشعر فيها بالعزلة القاسية ، وكأنك وحدك في مواجهة العالم ، وتلك المواقف التي تمرُّ بك فتلتزم الصمت ، لا تُبدي ولا تنبس ، لكنها تُخنقك من الداخل … كل هذه المشاعر تُثقل كاهل القلب ، وتجعل عبء الحياة ثقيلاً كالجبال ، حتى على أقوى النفوس.

لكن، وسط هذا الثقل كله ، ثمة شيء واحد يجعله محتملاً ، شيءٌ سحريٌّ يُذيب جزءًا من الصعوبة ، يُخفِّف، يُهدِّئ ، يمنحك دفعةً من الأمل والقوة لتستمر في المسير : هو الحُب ، هو الحنيّة ، هو الاهتمام والرعاية الصادقة . هم أولئك الأشخاص الذين يحملونك في عقولهم وقلوبهم ، الذين إذا غبتَ عن أعينهم سألوا عنك بقلق ، وإذا رأوا غيمةَ الحزن على وجهك أسرعوا ليطمئنوا ، وإذا صمتَّ فهموا أن في الصمت كلامًا ، وإذا تكلمت أنصتوا بكل جوارحهم ، مجرد وجودهم بجانبك ، معرفتك أن هناك من ينتظرك ويحسب حسابك ، يجعل اليوم مهما اشتدت صعوبته يمرُّ، ويجعل العبء أخف وطأةً على القلب.

كل إنسانٍ يواجه صعوبات الدنيا ومتاعبها يوميًّا ، وهو في خضمِّ هذه المعركة في حاجةٍ عميقةٍ إلى أن يشعر أنه ليس وحيدًا . يحتاج إلى أن يلمس أنه محاطٌ بسياجٍ من المودة، محبوبٌ لذاته ، يحتاج أن يطمئنَّ قلبه بأن وجوده له قيمةٌ كبيرة ، وأنه “كافٍ” كما هو. يحتاج إلى أن يجد حدودًا آمنةً يلجأ إليها ، حدودًا فيها دفءُ الحضن الذي يحتويه ، ولُطفُ الطبطبة التي تُهدئ روعه ، وقوةُ الكلمة البسيطة التي تُصلح ما انكسر في روحه وتجمع شتات قلبه.

فالحقيقة التي لا مِراء فيها هي أن ما يحمي الإنسان من الانهيار ، ما يمنعه من السقوط في هاوية اليأس ، ليس هو المال الوفير ، ولا النجاح الباهر، ولا حتى الصحة الجيدة وحدها. ما يحمي الإنسان حقًّا ، ما يمنحه المناعةَ الحقيقية لمواجهة عواصف الحياة ، هو شعوره العميق ، اليقينيّ ، بأنه ليس وحيدًا في هذه الرحلة .
هو إدراكه أن هناك قلوبًا تنبض معه ، وأعينًا ترعاه ، وأيدي تمتدُّ لتدعمه إذا تعثر.

لذلك، وبكل ما تحمل الكلمة من معنى المسؤولية الإنسانية ، فبالله عليكم :
حافظوا على بعضكم البعض . ولا تنسوا أحدًا في زحمة حياتكم.
اسألوا عن غائبكم ، ولو بسؤالٍ عابر . فذلك السؤال قد يكون شريان حياة لمن ينتظره.
عبّروا ، ولو بكلمةٍ واحدةٍ صادقة ، عن حبكم واهتمامكم . لا تدعوا المشاعر تختنق في الصدور.

لأن الشخص الذي أمامك ، أو الذى جالسًا بجوارك ، أو بعيدًا عن ناظريك ، قد يكون كل ما يحتاجه في هذه اللحظة بالذات ، وكل ما يتوق إليه ليجد القوة للإستمرار ، هو مجرد أن يشعر أنه موجودٌ في عقلك ، أنه لم يُنسَ ، أنه ما زال يعني شيئًا لشخصٍ ما.

لا تتركوا هذا الشعور يغيب ، إجعلوا وجودكم الداعم ، حبكم الصامد ، واهتمامكم الحقيقي ، عادةً يوميةً لا تنقطع .. يومًا بعد يوم .. وليس مرةً واحدةً فحسب .

لأنَّ في هذا الاهتمام المتواصل ، وفي هذا الحضن الإنساني الدائم ، تكمن قوتنا الجميلة للصمود أمام ثقل الدنيا ، ونسيج الأمل الذي يُصلح ما انقطع في قلوبنا كل يوم .

سنلتقى إن كان فى العمر بقيه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى