اخبار اليوم

أيمن شاكر يكتب : الوهم الجميل : حين يُجرحك ظنُّك الحسنُ بالناس

بقلم الكاتب الصحفى أيمن شاكر
نائب رئيس قسم الأدب ✍🏻

الحياةُ ليست سوى سلسلةٍ من اللحظات التي نصنعُ منها تصوُّراتنا، ونبني عليها توقعاتنا. لكنَّ أكثر الجروحِ عمقًا ليست تلك التي يتركها الآخرون فينا، بل تلك التي تنشأ من داخلنا، من ذلك الصوتِ الخافتِ الذي يُهمسُ في أذنِ القلب: “هم مثلك… لن يؤذوك.” نعم، ربما يكون أكبر خطأ نرتكبه في حقِّ أنفسنا هو أن نعتقدَ أن الناسَ يرون الحياةَ كما نراها، أو أن قلوبَهم تنبضُ بنفسِ المشاعر التي تحركنا.

حين يصبح المثاليُّ سجنًا

نحنُ لا نُجرحُ لأن الناسَ قاسية، بل لأننا صنعنا لهم في مخيلتنا صورةً لا تُشبههم. نمنحهم أجنحةَ الملائكة، ثم نتفاجأ حين يخطئون، وكأننا ننسى أن الخطأَ جزءٌ من طبيعتهم البشرية. المثاليةُ في النظر إلى الآخرين ليست سوى وهمٍ جميلٍ يُخفّف وحشةَ الدنيا لوهلة، لكنه سرعان ما يتحول إلى سكينٍ حادٍ يجرحُنا كلما اصطدمنا بالواقع. السؤالُ الأهم: هل نلومُ الناسَ لأنهم لم يكونوا كما تخيلناهم، أم نلومُ أنفسنا لأننا وضعناهم في مكانٍ لا يستحقونه؟

خذلانٌ أم اختبارٌ للقلب ؟

الخذلانُ ليس دليلًا على سوءِ الناس، بل دليلٌ على أنك امتلكت قلبًا كبيرًا يحملُ ثقةً أكبر من حجم الوقائع. حين تخذلك يدٌ مددتَ لها يديك، لا تحزن لأنها تركتك، بل ابتسم لأنك كنتَ شجاعًا كفايةً لتثقَ بها. كم من مرةٍ ظننتَ أن أحدًا سيكون ظلَّك في المطر، فاكتشفتَ أنه أولُ من يهربُ حين تبدأ الغيومُ بالبكاء؟ لكن أليس الأجملُ أن تظلَّ قادرًا على الثقةِ بعد كلِّ هذا؟

لماذا نُلامُ على حُسنِ الظنِّ ؟

لأن الظنَّ الحسنَ ليس ضعفًا، بل شهادةٌ على نقاء الروح. نعم، قد ندفع ثمنه دموعًا، لكنه يبقى أجملَ ما فينا. اللومُ لا يقعُ على من خان أو غدر، بل على من ظنَّ أن كلَّ القلوب تشبه قلبه. لكن، هل يُعقل أن نتحول إلى أشخاصٍ متشككين، قساة، لا يثقون بأحدٍ خوفًا من الألم؟ بالطبع لا! لأن الحياةَ دون ثقةٍ تصبحُ صحراءً قاحلة. الفرقُ بين الحكيمِ والساذجِ ليس في مقدارِ ما يعطيه من ثقة، بل في مقدارِ ما يتعلمه بعد كلِّ خيبة.

كيف نعيشُ بقلبٍ واعٍ دون أن يفقدَ براءته ؟

لا يعني أن نُدركَ طبيعةَ الناس أن نتحول إلى سجناءِ الشك، بل أن نتعلمَ أن نمنحَ الثقةَ بتروٍّ، دون أن نضعَ كلَّ مشاعرنا في سلةٍ واحدة. علينا أن نتذكر دائمًا أننا نعطي لأن العطاءَ يُشبهنا، وليس لأن الآخرين يستحقون. الألمُ الذي نشعرُ به عند الخذلان ليس عقابًا، بل تذكيرٌ بأننا ما زلنا أحياءً بما يكفي لنحب، ونثق، ونبدأ من جديد.

في النهاية…

ستظلُ الحياةُ تُعلّمنا الدرسَ نفسه مرارًا: الناسُ ليسوا أبطالًا خارقين، وليسوا ملائكةً بلا أخطاء. هم بشرٌ يحملون في قلوبهم كلَّ التناقضات التي تحملها أنت. الفرقُ الوحيدُ أن بعضَهم لم يتعلم بعد كيف يكونُ رفيقًا للقلوب الطيبة. لكن هذا لا يعني أن تتوقفَ عن كونك أنت، لا يعني أن تخسرَ نقاءك. فقط تعلم أن تمنحَ دون أن تنتظر، وأن تحبَّ دون شروط، لكن احتفظَ بجزءٍ صغيرٍ من قلبك… لك.

لأنك جميلٌ بما يكفي لتبقى طيبًا، حتى لو جرحك العالمُ كلُّه. لأنك أقوى من أن تكسرَ خيبةُ أملٍ إيمانَكَ بالحب. لأنك، وبكل بساطة، تستحقُ أن تحيا بقلبٍ عامرٍ بالثقة، حتى لو خذلك الجميع.

سنلتقى إن كان فى العمر بقيه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى