مشاهير

أيمن شاكر يكتب : كلماتهم السامة .. مرآة أنفسهم الهشة

بقلم الكاتب الصحفى أيمن شاكر
رئيس قسم الأدب ✍🏻

في صمتِك وطريقِك الواضح ، ربما تصطدمُ بصوتٍ حادٍ يخترقُ هدوئك . كلماتٌ مثل سكاكينٍ مُسمَّمة ، تُلقى عليك من حيث لا تتوقع ، من أناسٍ تعرفهم جيداً ويعرفونك .
الافتراءُ ، ذلك السلاحُ الباردُ الذي يستخدمه من يشعرُ بالعجز عن مواجهة نورِ حقيقتك ، تسألُ نفسك في حيرةٍ وألم :
لماذا ؟ لماذا يختلقون الأكاذيب ويشوهون سمعتي وهم يعلمونَ في قرارة أنفسهم زيفَ ما يقولون ؟

الجوابُ ، كما أدركتَ بحكمة ، إنه الهروبُ اليائسُ من مرآةِ الحقيقة التي تضعها وجودك أمامهم . حقيقتك أنك تسيرُ باستقامةٍ حيث تتعثرُ أقدامهم ، أنك تنجحُ حيث يفشلون ، أنك تحملُ نقاءً يحرقُ قذارةَ نواياهم . أنت ، ببساطةٍ ، تذكّرهم بكل ما يفتقرون إليه ، وجودك المستقر ، نجاحك الصادق ، طيبتك التي لا تتكلف ، كلُّ هذه الأشياء تضغطُ على جروحِ النقصِ الكامنةِ فيهم ، تلك الجروحُ التي ينتهشُها الإحساسُ بالدونيةِ ليل نهار.

الافتراءُ ، إذن ، ليس دليلاً على قوتهم ، بل هو الصرخةُ المدويةُ لضعفهم المُزري . إنه صراعٌ داخليٌ مريرٌ يتحولُ إلى عدوانٍ خارجي .
إنهم يغرقون في بحرِ حقدهم وعجزهم ، وفي لحظةِ الذعرِ والهلاكِ الأخلاقي ، لا يجدونَ وسيلةً إلاَّ أن يمسكوا بمن حولهم ويحاولوا جرَّهم إلى القاعِ معهم ، تشويهُ سمعتك هو محاولةٌ يائسةٌ منهم لـ “التسوية” : إذا استطاعوا أن يجعلوك تبدو سيئاً مثلاً ، أو أن يوقعوك في الخطأ ، فحينها يرتاحون للحظةٍ من ذلك الإحساسِ البغيضِ بأنك “أفضل”. إنه ارتياحٌ وهميٌّ قصيرٌ ، مثل مخدِّرٍ يخدّرُ ألماً مستعصياً ، سرعان ما يزولُ تاركاً جروحاً أعمق.

والمفارقةُ المؤلمةُ ، أو المُفرحةُ لمن يتأمل ، هي أن كلَّ طعنةٍ يوجهونها إليك ، كلَّ كذبةٍ ينسجونها ، كلَّ محاولةٍ لتشويهِ صورتك …
هي في الحقيقة طعنةٌ في صورتهم هم ، وكشفٌ صارخٌ لحقيقتهم ، عندما يفتري أحدهم ، فهو لا يكتبُ سطوراً عنك على صفحاتِ الناس ، بل يكشفُ عن سوءِ طويته ، ضعفِ أخلاقه ، وفراغِ روحه ، على صفحاتِ العالم. الناسُ أذكياءٌ أكثر مما يتخيلُ المفترون . العيونُ ترى ، والقلوبُ تدرك ، والعقولُ تحلِّل ، حتى لو لم يُعلن أحدٌ ذلك صراحةً في وجههم ، فإنَّ احترامَهم يتساقطُ كأوراقِ الخريفِ مع كلِّ كذبةٍ جديدة .
يخسرونَ المصداقيةَ ، يخسرونَ الثقةَ ، ويخسرونَ شيئاً فشيئاً مكانتَهم في قلوبِ من حولهم . إنهم يحفرونَ قبرَ سمعتهم بأيديهم ، ظانينَ أنهم يدفنونك.

فماذا يكون الموقفُ إذن ؟ كيف تواجهُ هذا الزخَّ من السُّمِّ المُختلق ؟

الثباتُ . الثقةُ . والارتفاعُ فوقَ مستنقعهم . خُذْ كلماتك كشعار :
“خليك واثق في نفسك ، ماتنزلش لمستوى مش بتاعك “. النزولُ إلى حلبتهم ، والردُّ بالمثل ، والانخراطُ في معاركهم الوهمية ، هو انتصارٌ لهم في النهاية . إنه يُلوثُ طهرَك ويستهلكُ طاقتَك. الأسمى ، والأصعبُ أحياناً ، هو أن تستمرَّ في سيرك . أن تحافظَ على نزاهتك ، عملك الجاد ، وطيبة قلبك . أن ترفضَ أن تُعكّرَ صفوَ روحك بكدرهم . ” أتركهم في دوامتهم ” دعهم يدورون في حلقةِ حقدهم وافترائهم العقيمة . دوامتهمُ هذه ستُنهكهم قبل أن تصلَ إليك.

وتذكَّر دائماً : الحقيقةُ كالشمس ، قد تُحجبُ بغيومِ الأكاذيبِ الكثيفةِ لحظةً ، أو يومًا ، أو حتى فترةً ، لكنَّ نورَها الثاقبَ لا يُقهرُ إلى الأبد. الناسُ ، كما قلت ، “بتشوف ، وبتعرف تفرّق كويس جدًا بين الأصل والتزوير “.
ثقتُك بنفسك ، واستمرارُك في العطاءِ والإنجازِ بصدق ، هي أقوى ردٍّ على كلِّ افتراء. ففي النهاية ، كلماتُ الأشرارِ لا تُسقطُ طيورَ السماء ، بل تُسقطُ فقط أوراقَ الأشجارِ اليابسةِ التي تختبئُ عليها .

فامشِ في دربك مرفوعَ الرأس ، واثقَ الخطى ، عالماً أنَّ كلَّ سهمٍ من كذبٍ يطلقونه لا يخترقُ درعَ حقيقتك ، بل يعودُ ليُثقبَ أشرعتهم الواهية ، في بحرٍ ستُلقيهم أمواجهُ يوماً على شاطئِ النسيان … بينما يبقى اسمُك ، كالنجمِ الثاقب ، في سماءِ الذين عرفوا الأصلَ فلم يغرهم تزوير .

سنلتقى إن كان فى العمر بقيه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى