أيمن شاكر يكتب : كيف تكونين حضورًا بلا ضجيج ؟ عندما يصبح الهدوء لغةً للحب

بقلم الكاتب الصحفى أيمن شاكر
رئيس قسم الأدب ✍🏻
في عُزلته المؤقتة ، حيث ينسحب الرجل إلى صمته كسلحفاة إلى صدفتها ، تكمن مفارقة عظيمة : فابتعاده ليس نفيًا للحب ، بل استدعاءً له على طريقته . إن صمته الذي يُساء فهمه غالبًا ما يكون حصنًا يُشيّده ليُصلح سُورًا داخليًّا تصدّع ، أو ليُعيد ترميم خريطة طريقٍ في عقله.
الرجل حين يُحاصر بضغوط الحياة لا يفرّ من مشاعره ، بل يغوص في محيطها باحثًا عن اللآلئ المكنونة. دماغه أشبه بـ “غرفة عمليّات” مغلقة : تُحلَّل فيها الأزمات ، وتُختبر الحلول ، وتُشحذ الأدوات ، الحديث في هذا الوقت أشبه بضوضاء تقطع خيط أفكاره الرفيع. إنه لا يحتاج إلى كلماتك الآن ، بل إلى ثقتك في قدرته على الخروج من متاهته.
وهنا يُختبر عمق الفهم في العلاقة : كيف تكونين حضورًا بلا ضجيج ؟
لا تملئي صمته بأسئلةٍ كالمطارَدات ، ولا تُلقّنيه حلولًا كجسورٍ لا تصلح لعبوره ، أحيطيه بهدوءٍ يُشبه ضوء القمر :
– نظرةٌ دافئةٌ تُذكّره بأنه ليس وحيدًا.
– لمسةٌ على كتفه كرسالةٍ صامتة: “أنا هنا”.
– كوب قهوةٍ تضعينه بجانبه دون كلام…
هذه الرموز البسيطة هي لغة الحب التي يسمعها قلبه حتى في أعماق صمته.
قد يلجأ إلى عالمه الخاص : يغرق في لعبة إلكترونية ، أو يتجوّل بين فيديوهات لا معنى لها ، أو يخرج مع أصدقائه كمن يبحث عن أُكسجين. لا تُخطئي الظنّ : هذه ليست هروبًا منك، بل هي طقوس إنعاش لروحٍ منهكة.
مثل الطائر الذي يبتعد عن العشّ ليعود إليه أقوى ، يحتاج إلى مسافةٍ قصيرة ليعود إليكِ بقلبٍ أخفّ.
والصبر هنا ليس انتظارًا سلبيًّا، بل فنٌّ راقٍ :
– تفهمي أن صمته جسرٌ يعبره وحده قبل أن يمدّ يده لك.
– ثقي أن عودته ستكون كالربيع بعد شتاءٍ طويل.
– تذكّري أن الرجال يُحاصرهم مجتمعٌ يخبرهم :
” لا تبكِ، لا تظهر ضعفك”.
فحين يمنحه حبّك مساحةً دون شروطٍ ، يشعر لأول مرةٍ أنه مكانٌ آمن.
وحين يشرع قلبه كالباب الخشبي القديم ، ويبدأ بالكلام :
✧ استمعي وكأن كل كلمةٍ منه تُكتشف للمرة الأولى.
✧ لا تقاطعيه بحلولٍ جاهزة ، فهو لا يريد مُنقذًا بل شاهدًا.
✧ احتضني كلماته دون أحكام ، فجراحه التي يكشفها هي هدايا ثقة.
لأن الحبّ ليس مجرد كلماتٍ تتلاقى في الهواء ، بل هو الاحتواء الذي يصنع من صمتنا جسرًا ، والثقة التي تمنح الظلّ وقتًا كي يتحول نورًا ، والمساحة التي تصنع من عزلته عودةً أعمق إلى حضننا.
ففي النهاية .. أيها القارئ الجميل
أجمل حب لا يُبنى بالكلمات وحدها ،
بل بــ الصمت الذي يُفهم ، والمسافة التي تُقرّب ،
والانتظار الذي يتحول إلى قصيدة حبٍ لم تُكتب بعد .
سنلتقى إن كان فى العمر بقيه