أيمن شاكر يكتب : ١٩ زهرة ذبلت على إقليمي المنوفية : شهيدات لقمة العيش بين إهمال الطرق وغياب العداله

بقلم الكاتب الصحفى أيمن شاكر
رئيس قسم الأدب ✍🏻
في صباح يوم الجمعة ، 27 يونيو 2025 ، تحول الطريق الإقليمي بمحافظة المنوفية إلى مذبحٍ للبراءة. تسع عشرة فتاةً ، أكثرهن لم يتجاوزن الـ16 ربيعًا ، كنَّ في طريقهن إلى مزارع العنب لحصاد لقمة العيش بـ130 جنيهًا في اليوم ( حوالي 2.6 دولار ). لم يعدن إلى منازلهن ، بل عُدن في نعوشٍ بيضاء حملتها أيادٍ مرتجفة ، بينما انتحبت أمهاتهن : ” يا رب ارحمهن.. شهيدات لقمة العيش ” .
المشهد المأساوي : بين فرار السائق وانهيار الأسر
اصطدمت شاحنة نقل ثقيل (“تريلا”) بسيارة ميكروباص تقل العاملات. وفقًا للتحقيقات ، كان السائق يتعاطى المخدرات ، وفقد السيطرة على عجلة القيادة بسبب السرعة الزائدة وتآكل الإطارات ، فاخترق الحاجز الأسمنتي الفاصل بين الاتجاهين ، ليلحق بالسيارة الصغيرة في الاتجاه المعاكس . سائق الشاحنة فرّ هاربًا ، لكن الأجهزة الأمنية ألقت القبض عليه لاحقًا ، وأظهر تحليل المخدرات إيجابية العينة المأخوذة منه . أما الضحايا ، فكنّ بناتٍ من قرية كفر السنابسة ، بعضهنّ المعيل الوحيد لأسرتهن ، وأخريات كنّ يجمعن ثمن الكتب المدرسية .
أسباب الإهمال : طرق الموت .. وفقرٌ يدفع الطفولة إلى التهلكة
١- الطرق “الفخاخ القاتلة”
رغم أن الطريق الإقليمي بُني قبل 8 سنوات فقط ، إلا أنه تحول إلى “طريق موت”. أحد الاتجاهين أغلق بسبب التلف ، مما أجبر السيارات على السير في اتجاه واحد بطريقة عشوائية ، دون وجود شرطة مرور تنظم الحركة حتى بعد الحادث . النائبة سناء السعيد وجهت سؤالًا برلمانيًّا للحكومة :
أين الاهتمام بالبنية التحتية ؟
لماذا الإهمال في القرى والمحافظات ؟
٢- الفساد والتراخي في الرقابة :
التحقيقات كشفت أن الشاحنة كانت محملة بأوزان زائدة ، وإطاراتها مهترئة ، لكنها تجاوزت الفحوصات.
التعليقات على فيسبوك تكشف غضبًا شعبيًّا :
كل حادث يقولون السائق متعاطٍ .. لكن من سمح له بالقيادة ؟ ومن سرق أموال صيانة الطرق ؟
٣- الفقر وعمالة الأطفال :
مصرع الفتيات القاصرات سلّط الضوء على جريمة أكبر :
1.3 مليون قاصر يعملون في مصر ، وفقًا لوكالة فرانس برس . كثيرات منهنّ يتركن المدارس لمساعدة أسرهن ، في غياب سياسات حماية اجتماعية فعّالة. إحدى الناشغات كتبت :
“19 عروسةً كان حلمهن الزواج والراحة .. لكن الفقر أجبرهن على كسر أحلامهن ” .
أدوات الإصلاح : بين الترقيع والمواجهة الجذرية
– المساءلة الشاملة :
مطالبات شعبية ونواب بمحاسبة كل المسؤولين عن الإهمال ، لا الاكتفاء بحبس السائق . النيابة العامة أكدت التزامها بـ” كشف الملابسات تحقيقًا للردع العام ” .
– إصلاح البنية التحتية :
الرئيس السيسي وجه بزيادة تعويضات الضحايا (100 ألف جنيه للأسرة) ، وإصلاح الطرق الإقليمية فورًا .
– مكافحة الفساد الهيكلي :
تعليقات الجمهور تطالب بـ” تحليل جسد مؤسسات الدولة المترهل بحثًا عن الفساد ” بدلًا من تحليل دم السائق فقط .
وختاماً : هل تكفي الدموع ؟
غُيّبت “زهور المنوفية” في قبورٍ جماعية ، بينما ترفع أمهاتهن أكف الضراعة : ” إنا لله وإنا إليه راجعون .
لكن الدموع لن تعيد الحياة ، ولا التعويضات تعيد البسمة. المأساة تكشف أن القتيل الحقيقي هو الضمير .
الضحايا لم تمت أرواحهنّ بسبب حادث مرورٍ عابر ، بل سُحقت أحلامهنّ تحت عجلة إهمالٍ مزمن : إهمالٌ في الطرق .. إهمالٌ في العدالة .. وإهمالٌ في إنسانية دولةٍ تدفع أطفالها ثمن غيابها.
حتى متى تظل الطفولة وقودًا لمحرقة الفساد ؟
سنلتقى إن كان فى العمر بقيه