مشاهير

أيمن شاكر يكتُب : في زحام العلاقات .. ستجد مَن يضيء ظلامك دون أن ينتظر الفجر

بقلم الكاتب الصحفى أيمن شاكر
نائب رئيس قسم الأدب ✍🏻

الحياة ليست سوى مرآة تعكس وجوهًا لا تُحصى ، نُطلِق عليها ألقابًا عابرة ، ننسى أن الرفقة الحقيقية ليست مساحة في الزمن ، بل بصمة في الروح. نُغرِق أيامنا بأسماءٍ تتبخر مع أول اختبار ، لكن هناك مَن يخترق الضوضاء بصمته ، لا يطلب مكانًا بين أصدقائك ، بل يحفر نفقًا في أعماقك ، يتحول إلى جزءٍ من نبضك . إنه ليس ” صديقًا “.. إنه ابن الروح الذي يُعيدك إلى نفسك كلما ضعت.

كم من مرة ظننتَ أن الدنيا تضيق بوجعك ، فإذا بيدٍ لا تراها تمسك بك من السقوط ؟
كم من مرة أغرقتك الهزيمة ، فوجدت نفسك تُمسك بخيطٍ من نورٍ ألقاه قلبٌ لم يتخلَّ عنك ؟ العابرون يملؤون الدرب ضجيجًا ، لكن السند الحقيقي هو مَن يتحول إلى صمتٍ يفهم دموعك ، إلى حاضنٍ لأحلامك المُنهارة ، إلى حارسٍ لضحكتك الهاربة . هو لا يُنقذك لأنك ضعيف ، بل لأنّه يرى في عينيك القوة التي لا تراها أنت.

العلاقات كأمواج البحر : منها ما يلامس الرمال بلطف ، ومنها ما يتحطم على الصخور بلا أثر. لكن عزيز الروح هو الموجة التي تحمل في جوفها لآلئَ نادرة ، تهديها لك دون أن تنتظر مقابلاً ، فهو لا يُحاسبك على زلاتك ، بل ينسج من أخطائك دروسًا . لا يطلبك في السهل ، بل يبحث عنك في المتاهات . يعرف أن الحب الحقيقي ليس ترفًا يُمارس في الرخاء ، بل إرثٌ يُبنى فوق أنقاض الأزمات.

ففي عالمٍ يقدّس المصالح ، يبقى هذا الإنسان شاهدًا على أن الوفاء لم ينقرض . هو القادر على أن يلمس جرحك دون أن ينزف ، أن يسمع صرخاتك من وراء الجدران ، أن يراكَ كما لم يرَ أحدٌ من قبل : بكل تشظِّيك ، ضياعك ، وجمالك المختفي تحت الركام . إيمانه بك لا يتزعزع حين يتزلزل الأرض من تحت قدميك ، بل يصير حبل النجاة الذي يُعيدك إلى الحياة.

البعض يخافون من عواصفك ، فيفرون إلى شواطئ أكثر أمانًا ، لكن عزيز الروح يبني معك مركبًا من ألواح الأمل ، ويُقلع معك نحو المجهول ، عارفًا أن العاصفة قد تُغرق المركب ، لكنها لن تُغرق الثقة بينكما .
فهو لا يخشى أن يُجرح في معركتك ، لأنه آمن بأن دماء القلوب الطاهرة تُنبِت زهورًا حتى في الصحراء.

ربما تمرّ سنون قبل أن تدرك أن هذا الكائن النادر لم يعد مجرد شخص ، بل صار جزءًا من حكايتك ، سطرًا في سيرتك ، جرعة نورٍ في ليالي ظلمتك . وجوده يُذكّرك أنك لست رقمًا في قائمة الأصدقاء ، بل عالمٌ يستحق الاكتشاف ، وأن الحب ليس كلمات تُقال ، بل مواقف تُخلَّد.

في النهاية ، ليست الحياة إلا رحلة بحثٍ عن ذلك القلب الذي لا يطلبك أن تكون مثاليًا ليهبك كل شيء. إن وجدتَ مَن يُمسك بيدك حين يسقط الجميع ، ويُضحكك دون أن يتجاهل دموعك ، فاعلم أنك وجدت جوهرة الوجود .. احتفِظ بها كأنها آخر ما تبقى من إيمانك بالإنسانية ، فالعالم يمتلئ بالوجوه ، لكن قلوبًا قليلة تُولد لِتكون ملاذًا لأرواحٍ منهكة . هكذا هم أبناء الروح : يُغادرون بصمتٍ إذا طلبتَ ذلك ، لكنهم لا يغيبون أبدًا
.. لأن الحب الذي يكتبه القلب لا يُمحى .

سنلتقى إن كان فى العمر بقيه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى