إحذر أن تخلط بين الوحدة والوحشة .. فالوحشة فراغ مؤلم ، أما الوحدة فامتلاءٌ صامت

بقلم الكاتب الصحفى : أيمن شاكر
رئيس قسم الأدب ✍🏻
في زحمة الحياة .. حيث تصرخ الضوضاء وتتلاطم الأمواج البشرية من كل اتجاه ، تظل هناك واحة مقدسة لا يدخلها إلا من يحمل مفتاح السكينة في جيبه : الوحدة .. تلك الرفاهية التي لا يقدرها إلا الأرواح العظيمة .
ليست الوحدة فراغًا يُملأ ، ولا هروبًا من العالم ، بل هي عودة إلى الذات ، إلى ذلك الكائن الذي نسيه الجميع في خضم الانشغالات .. حتى أنت. كم من المرات جلست مع نفسك بلا هاتف ، بلا كتاب ، بلا أي حاجز بينك وبين أفكارك؟
إنها اللحظة التي تكتشف فيها أنك إما صديق لنفسك .. أو أنك الغريب الذي يعيش في جلدك.
الوحدة فن ، والفنان الحقيقي هو من يحوّل صمتَه إلى سمفونية . هناك أناس يخافون من أنفسهم ، يهربون إلى التجمعات الصاخبة ، إلى الشاشات اللامعة ، إلى أي شيء يملأ ذلك الصوت الداخلي الذي يسأل : ” من أنا ؟ “.
لكن الروح الراقية لا تخاف من الحوار مع الذات ، بل تجد في هذا الحوار متعة لا تضاهيها متعة. إنها تشبه ذلك المسافر الذي يعود إلى وطنه بعد غياب طويل ، فيجد كل حجر ، كل ظل ، كل رائحة .. تحكي له قصةً نسِيَها العالم كله إلا هو .
في الوحدة تكتشف أن السعادة ليست شيئًا يشترى أو يُهدى ، بل هي قرار داخلي عميق.
كم من أناس يمتلكون كل شيء ، لكنهم لا يمتلكون أنفسهم ! وكم من بسطاء لا يملكون إلا لحظاتهم الهادئة ، فيجدون فيها كنوزًا لا تقدر بثمن .
العظمة الحقيقية ليست في أن تكون محط أنظار الآخرين ، بل في أن تكون محط إعجاب نفسك عندما تنظر في المرآة فترى إنسانًا يعرف قدره ، ويحترم عزلته ، ولا يبيع روحه رخيصةً في سوق الضجيج.
ولكن .. احذر أن تخلط بين الوحدة والوحشة. فالوحشة فراغ مؤلم ، أما الوحدة فامتلاءٌ صامت. هناك فرق شاسع بين أن تكون وحيدًا لأنك لا تجد من يفهمك ، وبين أن تختار الوحدة لأنك وجدت نفسك فلا تحتاج إلى من يملؤها . الأول ضياع ، والثاني اكتشاف.
في النهاية ، تذكر دائمًا أن الحياة ليست مسابقة شعبية ، وأن أعظم اللحظات قد تكون تلك التي لا يشهدها أحد سوى قلبك .
فـ : ” مَن لا يأنس بذاته ، لا يأنس بشيء آخر “. فلتكن وحدتك حديقة تزرع فيها أحلامك ، وليكن صمتك لغةً تفهمها روحك قبل كلماتك .
لأن في النهاية .. لن يحمل عبءَ وجودك إلا أنت ، ولن يمسح دموعك الحقيقية إلا يداك .
فكن لنفسك وطنًا ، فإما أن تكون ملكًا في عالمك الوحيد .. أو عبدًا في عالم الآخرين .
سنلتقى إن كان فى العمر بقيه