رغم الفاجعة التي تكسر الجبال .. أب يؤم صلاة الجنازة على أبنائه الـ ٦ بنفسه

بقلم الكاتب الصحفى : أيمن شاكر
رئيس قسم الأدب ✍🏻
• الجرح الذي لا يندمل
وقف الحاج إبراهيم أبو مهادي أمام جثامين أبنائه الستة – أحمد ، محمود ، محمد ، مصطفى ، زكي ، وعبد الله – البالغ من العمر 12 عاماً – وهو يلفظ أنفاسه بين اليأس والأمل ، بين الألم والصمود .
لقد استشهدوا جميعاً في قصف إسرائيلي غادر استهدف سيارتهم المدنية في دير البلح وسط قطاع غزة ، بينما كانوا ينقلون وجبات طعام للنازحين في خان يونس .
كيف لأب أن يودع ستة من أبنائه دفعة واحدة ؟
كيف لقلب أن يحتمل هذا القدر من الألم ؟
هذه الأسئلة تتردد في ذهن كل من سمع بقصة أبو مهادي ، الذي تحولت صورته الأخيرة مع أبنائه قبل ساعات من استشهادهم إلى رمز للوجع الفلسطيني .
الجرح في قلب هذا الأب ليس مجرد فقدان ، بل هو تمزق وجودي ، حيث ذهب مع أبنائه أحلامه وآماله ومستقبله .
أصغرهم ، عبد الله ، كان قد قرر مرافقة إخوته ذلك الصباح لمساعدتهم في تسريع توزيع الطعام ، فكان مصيره مثلهم – رصاصة غادرة من طائرة استطلاع إسرائيلية . يتساءل الأب بمرارة : ” أي خطر شكّله هذا الطفل على جيش الاحتلال ليُقتل بهذا الشكل ؟” .
إنه سؤال يلخص عبثية العنف الإسرائيلي ووحشيته التي لا تميز بين مقاتل وطفل ، بين سلاح ووجبة طعام .
• قوة التحمل : إيمان يصنع المعجزات
رغم الفاجعة التي تكسر الجبال ، أصرّ أبو مهادي على أن يؤم صلاة الجنازة على أبنائه بنفسه ، في مشهد يختزل كل معاني الصمود الفلسطيني ، وقف الأب الثكلى ليودع فلذات كبده قائلاً : ” الحمد لله الذي منحني القوة كي أصلي عليهم ، وهذه كرامة من الله ، أرجو أن يتقبلهم في عليين مع الشهداء والصالحين ” . هذه القوة الروحية التي يستمدها من إيمانه العميق بالله وقدره ، هي نفسها التي تحفظ توازن شعب تحت القصف منذ أشهر.
إنها فلسفة حياة تختزل روح الشعب الفلسطيني الذي تعلم أن يجد في اليأس أملاً ، وفي الموت حياة.
• الاحتلال الإرهابي وجرائمه الممنهجة
قصة أبو مهادي ليست حالة معزولة ، بل هي حلقة في سلسلة جرائم إبادة جماعية ترتكبها إسرائيل بدعم أمريكي مطلق منذ أكتوبر 2023 ، والتي خلفت أكثر من 167 ألف شهيد وجريح فلسطيني معظمهم أطفال ونساء ، وما يزيد على 11 ألف مفقود .
النظام الإسرائيلي الذي تربى على كراهية العرب – كما يظهر في سيرة بن صهيون والد (النتن ياهو) الذي غرس في ابنه كراهية عميقة للعرب – لا يرى في الفلسطينيين بشراً يستحقون الحياة.
الاستهداف المتعمد للعاملين في المجال الإنساني مثل أبناء أبو مهادي ، والذين لم يكونوا يحملون سوى “حبات أرز للمحتاجين” كما يقول الأب ، يكشف عن استراتيجية إسرائيلية ممنهجة لتحويل الحياة في غزة إلى جحيم لا يطاق .
هذه الاستراتيجية التي توصف بـ” الاستسلام أو التجويع ” ، تهدف إلى كسر إرادة الشعب الفلسطيني عبر حرمانه من أبسط مقومات الحياة.
• طريق التحرير : من المقاومة إلى الدولة
كيف تتخلص فلسطين من هذا الاحتلال الغاشم ؟ الإجابة تكمن في استمرار المقاومة بكافة أشكالها ، وفي توحيد الصف الفلسطيني ، وفي كسب المعركة الدبلوماسية عالمياً . معركة الكرامة عام 1968 تذكرنا بأن الجيوش العربية والفدائيين استطاعوا يوماً صد العدوان الإسرائيلي ، وأن الانتصار ممكن . رغم اختلال موازين القوة.
لكن التحرير الحقيقي لن يتم فقط بالسلاح ، بل بتحويل المعاناة الفلسطينية إلى قضية إنسانية عالمية ، كما تفعل قصص مثل قصة أبو مهادي التي تعري وجه الاحتلال الإرهابي .
فإن تصاعد الضغوط الدولية على إسرائيل ، يثبت أن العالم بدأ يفيق من غيبوبته .
• كلمات أخيرة من أب فقد كل شيء
في النهاية ، يبقى أبو مهادي وأمثاله من الآباء الصامدين ، هم حجر الأساس في معركة التحرير .
فبرغم فقدانه كل شيء ، يؤكد هذا الأب الذي فقد ستة من أبنائه :-
” لن نتخلى عن شبر من أرضنا ، ومهما ارتكب الاحتلال من جرائم فلن يستطيع اقتلاعنا ، ربنا أعطانا الأمانة واستردها ، ونسأل الله أن يتقبلهم جميعاً في الفردوس الأعلى ” .
إنها كلمات تنبض بالحياة رغم الموت ، بالأمل رغم اليأس ، وبالإصرار رغم القهر .
أبو مهادي الذي رفع أبناءه شهداء ، يرفع اليوم علم فلسطين عالياً ، لأنه يعرف أن الدماء التي سقطت على تراب دير البلح وغزة ستصبح يوماً بذور حرية تنبت دولة ترفرف فوقها الأعلام . فكما قال أحد الحكماء :-
” الشعوب التي تموت من أجل قضية ، هي الشعوب التي تستحق الحياة “.
سنلتقى إن كان فى العمر بقيه