اخبار اليوم

التاريخُ يُخبرنا أنَّ أعظمَ الإنجازاتِ الإنسانيةِ وُلدتْ من رحمِ الشراكةِ والصداقة

بقلم الكاتب الصحفى أيمن شاكر
نائب رئيس قسم الأدب ✍🏻

الحياةُ رحلةٌ طويلةٌ تمتدُّ كالدربِ الواسع ، تارةً تتلوّنُ بالسهولِ المُشرقة ، وتارةً تُخفي خلفَ منعطفاتِها حِكماً لم تُكتَب بعد . لكنَّ هذا الدربَ ، رغم تقلباته ، يظلُّ مخضرّاً نابضاً بالحياةِ ما دامت الأيادي تُشدُّ إلى الصفيِّ المؤنس ، ذلك الرفيق الذي يُضيءُ ظلامَ الطريق ، ويُحوِّلُ لحظاتِ الوحدةِ إلى محطاتِ أمل ، فما قيمةُ السيرِ في العمرِ إن لم نجدْ مَن يُشاركنا خطواتِه ، يُنصتُ لِهمسِ الروح ، ويُمسكُ بيدِ القلبِ حين تَخورُ قواه ؟

إنَّ الإنسانَ ، في صميمِ وجوده ، كائنٌ اجتماعيٌّ يبحثُ عن مرآةٍ تعكسُ مشاعره ، وعن صوتٍ يُردّدُ صدى أحلامه . لكنَّ الصديقَ الحقيقيَّ ليس مجردَ مرآةٍ أو صدى ، بل هو الشريكُ الذي يزرعُ بكلِّ خطوةٍ زهرةً على جانبِ الدرب ، فيُبقيه أخضرَ حتى في أقسى فصولِ العمر . كم مِن لحظاتٍ عصيبةٍ مررنا بها ، فبدتْ كالصحراءِ القاحلة ، لكنَّ يدَ الصديقِ الوفيَّ حوّلتها إلى واحةٍ ظليلة.
وكم مِن ضحكاتٍ بسيطةٍ شاركناها مع مَن نحب ، فصارتْ ذكرى تُزيّنُ ذاكرةَ الزمن.

التاريخُ يُخبرنا أنَّ أعظمَ الإنجازاتِ الإنسانيةِ وُلدتْ من رحمِ الشراكةِ والصداقة ، فسقراطَ لم يكنْ لِيُخلّدَ فلسفتَه لولا أفلاطون ، و” إلياذة ” هوميروس لم تكنْ لتبقى لولا الأصابعِ التي حفظتها ونقلتها عبرَ الأجيال . حتى الطبيعةُ تُعلّمنا أنَّ الشجرةَ الواقفةَ وحدها تُصارعُ الرياحَ بصعوبة ، بينما الغابةُ الكثيفةُ تُشكّلُ حِصناً منيعاً. هكذا الإنسانُ : يكتسبُ قوّتَه من ارتباطه بغيره ، ومن قدرته على أن يكونَ ” صفيّاً مؤنساً ” لِمَن حوله.

لكنَّ الصداقةَ الحقيقيةَ ليستْ مجردَ وجودٍ عابرٍ أو مصلحةٍ مؤقتة . إنها اختبارٌ للقلبِ قبل العقل ، فالصديقُ هو مَن يرى عيوبَك ولا يتنكّرُ لها ، بل يُمسكُ بيديكَ لينهضا معاً نحو الأفضل . هو مَن يُدركُ أنَّ الدربَ قد يُظلمُ فجأةً ، فيسرعُ بإشعالِ قنديلِ الأملِ قبل أن تطلبَه. كم هو جميلٌ أن نجدَ في زحمةِ الحياةِ مَن يُذكّرنا بأنّنا لسنا وحيدين ، وأنَّ جراحَنا ليستْ نقصاً ، بل شهاداتٌ على قوتنا.

في النهاية ، قد لا نستطيعُ اختصارَ السرِّ الكامنِ وراءِ اخضرارِ دربِ العمرِ إلا بكلماتِ الشاعر : إنه الحبُّ الصادقُ ، والصداقةُ التي تُشبهُ النبعَ العذبَ في القفر. فإذا أردتَ لدربِك أن يظلَّ مخضرّاً ، شدَّ يديكَ إلى مَن يُنبتُ الزهورَ في قلبِك ، وامشِ مع مَن يُحوّلُ السيرَ إلى أغنيةٍ ، واللقاءَ إلى وطن. فالحياةُ قصيرةٌ جداً لتُعاشَ بغيرِ رفيقٍ يُضيءُ ظلامَ الشكِّ ، ويُعلّمُك أنَّ اليدَ الواحدةَ قد تصفقُ ، لكنَّ اليدينِ معاً قادرتانِ على خلقِ عُمرٍ كاملٍ من الجمال .

سنلتقى إن كان فى العمر بقيه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى