التقاضي عن بعد : بين الواقع المصري والنموذج الإماراتي – د. أميرة فاروق الأنصاري

مقدمة
أضحى التحول الرقمي جزءًا لا يتجزأ من تطور الأنظمة القضائية عالميًا، وجاء التقاضي عن بُعد كأحد أبرز صور هذا التحول، ليُمثل نقلة نوعية في مسار العدالة، ويُساهم في تسهيل الإجراءات وتحقيق العدالة الناجزة.
ورغم أن جمهورية مصر العربية بدأت في تبني بعض آليات التقاضي الرقمي، إلا أن غياب إطار قانوني شامل ومُلزم ما زال يُعطل التفعيل الكامل لهذا النموذج، على عكس ما نشهده في دولة الإمارات العربية المتحدة، التي أرست تجربة رائدة يحتذى بها على المستوى العربي والدولي.
أولاً: الوضع القانوني للتقاضي عن بعد في مصر
لا يزال التشريع المصري، حتى اليوم، يخلو من نصوص صريحة تنظم التقاضي الإلكتروني أو تُجيز صراحة عقد الجلسات القضائية عن بُعد في جميع الدعاوى.
ورغم أن وزارة العدل المصرية بدأت في اتخاذ خطوات تجريبية – مثل تفعيل بعض الخدمات الإلكترونية عبر بوابة وزارة العدل – إلا أن هذه الجهود لم ترقَ بعد إلى منظومة تقاضي رقمية متكاملة، كما أنها تفتقر إلى الغطاء التشريعي الواضح.
ثانياً: التجربة الإماراتية كنموذج ناجح
تُعد الإمارات من الدول العربية الرائدة في مجال العدالة الرقمية.
فقد أصدرت قانون بشأن استخدام تقنية الاتصال عن بُعد في الإجراءات القضائية، والذي أتاح للمحاكم استخدام الوسائل التكنولوجية في التحقيق، والمرافعة، وإصدار الأحكام.
كما تم تطوير منصات إلكترونية متقدمة، مثل منصة محاكم دبي ومحاكم أبوظبي الذكية، تُمكن المحامين والمتقاضين من تقديم الطلبات، حضور الجلسات، إرفاق المستندات، واستلام الأحكام، دون الحاجة إلى الحضور الفعلي، مع ضمانات صارمة لحماية الخصوصية وسير العدالة.
ثالثاً: مزايا التقاضي عن بعد – لماذا يجب أن تتبناه مصر؟
1. استمرارية العدالة في الأزمات مثل الأوبئة والكوارث.
2. تقليل أعباء التقاضي المادية والزمنية عن كاهل المواطن.
3. تحقيق العدالة الناجزة وتسريع الفصل في المنازعات.
4. تقليل التكدس في المحاكم وتحسين كفاءة العمل القضائي.
5. إتاحة التقاضي للمواطنين في المناطق النائية دون مشقة السفر.
رابعاً: دعوة لتقنين التقاضي عن بعد في مصر
في ضوء نجاح التجربة الإماراتية، أصبح من الضروري أن تُبادر السلطة التشريعية المصرية إلى:
إدخال فصل خاص في قانون المرافعات يُنظم التقاضي الإلكتروني.
تعديل قانون الإجراءات الجنائية لإجازة التحقيق والمحاكمة عن بعد بضمانات عادلة.
وضع ضوابط تقنية وتشريعية دقيقة تحفظ حقوق الدفاع، علانية الجلسات، وخصوصية الأطراف.
خاتمة
لقد أثبتت التجربة الإماراتية أن العدالة لا تتعارض مع التكنولوجيا، بل يُمكن للأخيرة أن تُعزز من كفاءة القضاء وتيسير سُبل الوصول إليه.
ومن هنا، فإننا نُناشد المشرع المصري، ووزارة العدل، وكافة الجهات المعنية، بضرورة تبني سياسة تشريعية واضحة تُقر التقاضي عن بُعد كخيار أصيل في منظومة العدالة، لا كحل استثنائي مؤقت، تحقيقًا لعدالة حديثة، مرنة، ومواكبة لمتطلبات العصر.
بقلم: د. أميرة فاروق الأنصاري