أخبار العالماخبار اليوممشاهير

الجمهورية الجديدة بين البناء الصلب والفكر الغائب ..

الجمهورية الجديدة بين البناء الصلب والفكر الغائب ..

منذ الإعلان عن مشروع “الجمهورية الجديدة” في مصر، والجدل السياسي لم يهدأ حول حقيقة ما يجري: هل نحن أمام تحوّل تاريخي فعلي نحو دولة حديثة، أم أننا نعيد إنتاج مشهد قديم في عباءة جديدة، أكثر بهرجة ولكن بنفس الجوهر السلطوي؟

المشهد بعد عامين من الطموحات

بعد أكثر من سنتين من إطلاق شعارات الحوار الوطني، وتكثيف الحديث عن التحديث المؤسسي والاقتصادي، لا يزال المواطن المصري يراقب ما يحدث بنظرة يملؤها الشك والتساؤل.

المشهد السياسي يفتقر إلى التغيير الجوهري، رغم تغيير الواجهة الخطابية. فالوجوه المكررة، والنخب التقليدية، ما زالت تتصدر المشهد، في ظل تراجع واضح لأي خطاب بديل أو تيار سياسي جديد قادر على إعادة تشكيل الفضاء العام.

جمهورية البناء… ولكن؟

لا يمكن إنكار ما تحقق على مستوى البنية التحتية والمشروعات الكبرى. هناك مدن جديدة، طرق، ومناطق صناعية تشهد حراكًا إنشائيًا غير مسبوق.

لكن حين ننظر إلى جوهر المشروع السياسي، تتراجع المؤشرات الإيجابية. فالسياسة لا تُختزل في الأسمنت والخرسانة، بل في بناء الثقة، وفتح المجال العام، وإعادة تشكيل العلاقة بين الدولة والمجتمع على أسس جديدة.

هل تغيرت قواعد اللعبة السياسية؟

الحوار الوطني، الذي رُوِّج له كأداة لإعادة الحياة السياسية، تحوّل في نظر كثيرين إلى فعالية شكلية، فشلت في إنتاج مساحات حقيقية للنقاش الحر.

القوائم الانتخابية لا تزال تُفصّل على مقاس الولاء لا الكفاءة، والمعارضة تُدار كجزء من النظام لا كقوة رقابية.

هنا تظهر مفارقة “الجمهورية الجديدة”: وعود متكررة بالإصلاح السياسي، ولكن بدون أدوات واقعية للتنفيذ.

الانتخابات المقبلة… اختبار مصيري

الاستحقاقات الانتخابية القادمة ستكون اختبارًا حقيقيًا لمصداقية التحول. فإما أن تتبنى الدولة مقاربة جديدة تُشرك فيها القوى المدنية الحقيقية، أو تظل تدور في فلك التجميل السياسي دون مساس بالجوهر.

الرهان الأكبر ليس على نسبة المشاركة، بل على نوعية المرشحين، ودرجة النزاهة، وفتح المجال أمام قوى سياسية شابة تملك مشروعًا، لا مجرد انتماء تنظيمي.

القوانين كأدوات سيطرة

ما يُثير القلق أن القوانين، بدلًا من أن تكون ضمانة للعدالة السياسية، تُستخدم كأدوات لإقصاء الخصوم وتقييد الفضاء العام.

المشهد التشريعي يُدار بأغلبية شكلية، بلا نقاش حقيقي، ما يعكس غياب الإرادة السياسية لتغيير قواعد اللعبة.

في الختام… أي جمهورية نريد؟

إن الجمهورية الجديدة، إذا لم تكن قائمة على فكر سياسي جديد، سيظل يُنظر إليها كنسخة محسّنة من النظام القديم، لا كمرحلة تاريخية تحمل وعود التغيير.

لا بد من مشروع وطني جامع يُعيد للسياسة معناها، وللدولة شرعيتها، وللمواطن ثقته بأنه جزء من المعادلة لا مجرد متفرّج.

فالجمهورية الحقيقية لا تُبنى على الأسمنت فقط، بل على الأفكار. لا على الإنشاءات فقط، بل على المشاركة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى