مشاهير

الزواج : رحلة الأُنس وبناء الجسد الواحد

بقلم الكاتب الصحفى : أيمن شاكر
رئيس قسم الأدب ✍🏻

ليست الغاية من الزواج مجرد ارتباط رسمي بين شخصين ، أو استجابة لنداء المجتمع وتقاليده ، بل هي رحلة عميقة تُنسج خيوطها بخيطين رفيعين هما ” العقل والقلب ” ، لتصنع من كيانين فرديين جسداً واحداً ، قوامه الأُنس .

فالأُنس هنا ليس مجرد شعور عابر بالراحة ، بل هو ملاذٌ آمن تُبنى قواعده على التفاهم ، والتكامل ، والدعم المتبادل ، حيث يصير العقل رفيقاً للعقل ، والقلب مرسىً للقلب ، ويداً تُداوي الجراح ، وروحاً تُعين على مشقات الحياة ، ونفساً تُهدئ العواصف.

🩸عقلٌ بجوار عقل : شراكة تُضيء دروب الظلام

الزواج الناجح لا يُختزل في المشاعر العاطفية وحدها ، بل هو لقاءٌ فكريٌّ يُنير الحياة بضوء العقلانية والحكمة . حين يقف عقلٌ بجوار عقل ، تتحول التحديات إلى فرص للتعلُّم ، والاختلافات إلى جسور للتواصل .
فالشريك الذي يُحاورك بعقله قبل عواطفه ، يُذكِّرك بأن الحب ليس تنازلاً عن الذات ، بل هو توسيعٌ لحدودها . مثل هذين العقلين كشجرتين متجاورتين ، جذورهما متشابكة تحت الأرض ، لا تتنافسان على الضوء ، بل تحميان بعضهما من الرياح.

🩸قلبٌ مربوطٌ بقلب : لغة لا تحتاج إلى كلمات

إذا كان العقل يبني الجسور ، فإن القلب هو الذي يزرع الزهور على ضفتيها .
فالإرتباط القلبي في الزواج يشبه الموسيقى التي تُنسّق بين نوتات مختلفة لتعزف لحناً واحداً ، هنا ، لا يحتاج الحب إلى خطابات مُعقدة ، بل تكفي نظرة تفيض بالطمأنينة ، أو لمسة تُعيد للروح دفئها .

القلب المربوط بقلب يشكل حصناً منيعاً ضد الوحدة ، فحتى في لحظات الصمت ، يظل الحوار مستمراً بلغة يفهمها الاثنان فقط.

🩸يدٌ تُداوي : قوة التضامن في مواجهة الألم

قد تكون الحياة قاسية أحياناً ، لكن وجود شريك يمد يده ليسندك أو يمسح دمعةً ، يجعل الألم أخف وطأة . اليد التي تُداوي ليست بالضرورة يد طبيب ، بل هي يد ترفعك حين تتعثر ، أو تُمسك بك حين تهتز ثقتك بنفسك .
في الزواج ، يُعيد الشريكان اكتشاف معنى
” القوة ” ؛ فالقوة الحقيقية ليست في الاختباء وراء الكبرياء ، بل في الاعتراف بالضعف وطلب العون ممن تثق به.

🩸روحٌ تُعين : شراكة في النمو والارتقاء

الزواج ليس مرسىً نركن فيه إلى الركود ، بل هو مركبٌ يُبحر بالروح نحو آفاق أرحب . فالشريك الحقيقي لا يكتفي بأن يكون مرآة تعكس نجاحاتك ، بل هو الشعلة التي تُضيء مناطق الظل في داخلك ، وتدفعك لتتجاوز حدودك .

هو روحٌ تُعين روحاً أخرى هي التي تُذكِّرك بأن الأحلام ليست فردية ، بل هي مساحة مشتركة تُزرع فيها البذور ، وتسقى بالصبر ، لتنمو معاً حتى تُثمر.

🩸نفسٌ تُطمئن : السلام الداخلي هو أعظم هدية

أعظم ما يمنحه الزواج للإنسان هو السلام الداخلي ، ذلك الشعور بأنك لست وحيداً في مواجهة العالم . النفس المطمئنة هي التي تجد في شريكها ” الوطن ” الذي لا يحتاج إلى جواز سفر ، حيث تصبح التفاصيل الصغيرة ، كفنجان قهوة مُشترك ، أو ضحكة تُقطع هدوء الليل
، طقوساً مقدسة تمنح الحياة معنى .
هنا ، يتحول الخوف إلى أمان ، والشك إلى ثقة ، والقلق إلى استقرار.

🩸 رحلة الأُنس … لا تنتهي عند العتبة

الزواج ، في جوهره ، ليس نقطة وصول ، بل محطة انطلاق نحو فهم أعمق للحب والحياة .
إنه العهد الذي تُكرّس فيه روحك لرفيق دربٍ يُصغي لعقلك ، يُنصت لقلبك ، يُشاركك آلامك وأحلامك ، ويرسم معك خريطةً لطريقٍ لا يعرف النهاية . فليكن زواجكم شجرةً جذورها الإخلاص ، وفروعها الأمل ، وثمارها الأُنس . واذكروا دائماً أن الحب الحقيقي لا يُقاس بالسنوات ، بل باللحظات التي جعلت من قلبين متفرقين وطناً واحداً …

سنلتقى إن كان فى العمر بقيه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى