الفن… لغة الإنسان الأولى والأبقى!

بقلم غدير أبوخزيم ✍️
منذ أن خطّ الإنسان الأول رسوماته على جدران الكهوف، وهو يحاول التعبير عمّا يعجز اللسان عن قوله وما لا تستطيع الكلمات احتواءه.. الفن، منذ الأزل، لم يكن ترفًا ولا زينة لحياة البشر، بل كان انعكاسًا صادقًا لمشاعرهم، مخاوفهم، أحلامهم، وهويتهم.
الفن ليس لوحة مرسومة فقط، ولا مقطوعة موسيقية تُعزف، ولا مسرحية تُعرض على خشبة. الفن هو كل لحظة إبداع، هو محاولة فهم الحياة، هو سعي دائم لترجمة المجهول إلى معلوم، وتحويل الألم إلى جمال، والمعاناة إلى أمل.
في زمننا المعاصر، قد ينشغل الكثيرون بالماديات، وتطغى لغة الأرقام والأسواق على كل حديث، لكن يبقى الفن هو المتنفّس الأخير للروح، والملجأ الذي نعود إليه عندما تضيق بنا الحياة. الأغنية التي تُعيد إلينا ذكرى، الفيلم الذي يُلهمنا، التمثال الذي يخلّد لحظة، اللوحة التي تُحاكي إحساسًا دفينًا في قلوبنا.
ولأن الفن مرآة للمجتمع، فإن ما يُقدَّم اليوم من أعمال فنية يعكس إلى حدّ بعيد واقعنا، بقسوته، وتناقضاته، وأحلامه المعلّقة.. لذلك، مسؤولية الفنّان اليوم ليست سهلة، بل ربما هي أثقل من أي وقت مضى، لأنه يحمل على عاتقه مهمة صناعة الوعي، وفتح نوافذ جديدة تُطلّ على الجمال والحرية.
إن المجتمعات التي تحتفي بالفن، هي مجتمعات تُكرّم إنسانيتها، وتُغذّي عقول أبنائها، وتبني أجيالا تعرف قيمة الجمال والمعنى. أما المجتمعات التي تغتال الفن أو تُقصيه، فهي مجتمعات تسير تدريجيًا نحو التطرّف الفكري والجفاف الروحي.
الفن ليس فقط وسيلة ترفيه، بل هو فعل مقاومة، وبحث عن الحقيقة، واحتفاء بالحياة، مهما قست الظروف.
في النهاية
قد تختلف الأذواق والاتجاهات، وقد تتغير المدارس الفنية، لكن سيبقى الفن في جوهره محاولة إنسانية دؤوبة لفهم الذات والعالم… ولعل هذه المحاولة هي أجمل ما في الإنسان.