
كتب محمود دياب
القيادة الحقيقية شبه جرّاح قلب مفتوح، بس على روح الشركة مش على جسم إنسان.
الشركة من بره أرقام ومشاريع وفروع جديدة
ومن جوه ممكن تبقى بتنزف
موظفين محروقين
عقول مطفية
قلوب بتقول خلاص كفاية.
أخطر نوع نزيف في أي مكان مش اللي يبان في التقارير
أخطر نزيف هو اللي يبان في عيون الناس
اللي ساكتة
اللي بتضحك مجاملة
اللي بقت بتيجي الشغل عشان المرتب بس مش عشان نفسها.
القائد العادي يفرح لما ما يسمعش شكاوي
يقول لك كله تمام ما حدش اشتكى
لكن القائد الواعي يخاف من الصمت
يفهم إن أوقات كتير عدم الشكوى مش راحة
ده تجلد قبل الانهيار
ده واحد بيقول لنفسه مفيش فايدة لو اتكلمت.
جوه كل شركة في حيطان مش بتتشاف
مكتوب عليها بخط صغير
موهوب اتهان
حد مختلف اتمرمط
متزلف طلع فوق
حد نظيف فضل ساكت لحد ما اختفى.
هنا بالذات يبدأ دور القائد بجد
مش في توقيع القرار
في قراءة الجو
في شم ريحة الظلم قبل ما تبقى استقالات
في ملاحظة الموظف اللي بيسلم بسرعة ويمشي
اللي بقى جسمه موجود وروحه مش معاهم.
القائد اللي يستاهل الاسم
يبقى شوية مدير وشوية معالج
يسمع من غير ما يحرج
يعدّل من غير ما يفضح
يوجع شوية بالحق عشان ينقذ المكان من وجع أكبر.
مش هتلاقي اسمه دايما في التعميمات
بس هتلاقي أثره في حاجة أهم
في إحساس غريب بالأمان وسط الزحمة
في فريق بيتخانق عالشغل مش عالإجازه
في ناس بتقول رغم التعب
لسه مكملين عشان المكان ده بيحترمنا.
القيادة مش إنها توقف النزيف عشان الشكل
القيادة إنها توقف النزيف عشان الناس
عشان من غيرهم
ولا شركة
ولا رؤية
ولا نجاح يستاهل.”من أبلغ ما رُوي عن معاوية بن أبي سفيان قوله:
“لو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، إن شدّوها أرخيتها، وإن أرخوها شددتها.”
الكلمة دي لو اتعلقت في كل مكتب مدير، كانت شركات كتير اتنقذت من الخراب البطيء.
شوف حواليك في الشغل:
في مدير كل ما حد يختلف معاه يشد للحبل للآخر… يا تمشي زي ما أنا عايز يا برا المنظومة.
وبعدين يستغرب ليه الناس بقت خايفة، وليه الأفكار اتحولت لمجاملات، وليه الإنتاجية بقت “يلا نمشي اليوم وخلاص”.
وفي مدير تاني عايش على النقيض:
كل حاجة “ماشي”، كل حاجة “ما تزعلوش حد”، الحبل سايب طول الوقت.
النتيجة؟
فوضى في القرارات، ناس شغالة وناس مركونة، ومفيش احترام حقيقي… لأن مفيش حدود واضحة.
“شعرة معاوية” في الشركات معنى عميق:
إن علاقتك بالناس تبقى فيها مساحة شد ومساحة رِخي، بس من غير ما الشعرة تقطع.
يعني:
تعرف إمتى توقف موظف متجاوز… من غير ما تهينه قدام الفريق.
وتعرف إمتى تحتوي موظف مكسور… من غير ما تسيب الدنيا سايبة.
وتمسك على الحق… من غير ما تكسر قلوب الناس اللي شايلة الشغل على كتافها.
لما المدير ما يعرفش يتوازن، الخسارة مش في “العلاقات” بس، الخسارة في الشغل نفسه:
ناس بتشتغل وخايفة تغلط،
وناس بطلت تقترح عشان اتلسعت قبل كده،
وناس كل همها تحافظ على الشعرة مع المدير… حتى لو الشركة كلها بتقع.
القوة مش إنك تكسب كل خناقة،
ولا إنك تفضل ناعم لدرجة إن مفيش حد ياخدك بجد.
القوة إنك تبقى عارف تمسك الحبل من النص:
ما تسيبوش يتقطع… وما تخنقش حد بيه.
القائد اللي يفهم حكمة معاوية صح،
هيحافظ على كرامته، ويحافظ على الناس،
ويخلي الشركة مكان ينفع نشتغل فيه… مش ساحة معركة كل يوم.




