جوانا ثرثرة وبرانا سكوت تام: بين ضجيج الداخل وصمت الخارج

بقلم: غدير أبو خزيم
في زمنٍ يعلو فيه صوت الكلمة، ويُقاس الوجود بكمية التفاعل، تظهر جوانا، الشخصية التي لا تتوقف عن الحديث، تُفرغ كل ما في جعبتها دون فلتر، تصنع من كل لحظة رواية، ومن كل حدث حكاية. تُشبه المقاهي المزدحمة على ناصية حيّ قديم، حيث الأصوات تتشابك وتغمر المكان، لكنها نادرًا ما تُنصَت.
في المقابل، تأتي “برانا” بكل تناقضها، سكوتها التام لا يعني خواءً، بل امتلاءً عميقًا. هي شبيهة بغابة بعد المطر، لا تتكلم، لكنها تحمل حياة كاملة في صمتها. لا تقول، لكنها تفهم، لا تشرح، لكنها تشعرك أنها رأت ما وراء الكلمات.
جوانا تُحارب الفراغ بالكلام، وبرانا تُصادقه بالصمت. الأولى تخشى السكون، والثانية لا تثق إلا به. في المساحات المشتركة بينهما تنشأ توترات الإنسان المعاصر: هل نبوح لنُشفى؟ أم نصمت لنفهم؟ هل نُسمِع العالم أصواتنا كي لا نضيع؟ أم ننزوي عن الضوضاء لنستعيد أنفسنا؟
الثرثرة ليست دائمًا صدقًا، والصمت ليس دائمًا حكمة. وبين الاثنين، يحاول كل منّا أن يجد صوته، أو سكوته.
ربما نحتاج أن نكون جوانا حين نكبت طويلاً، وبرانا حين يفيض الداخل حدّ التعبير.
في النهاية، لا أحد كامل، لكننا جميعًا نسعى لأن نصير نغمة منسجمة داخل هذا الضجيج العظيم.