حماية الأطفال بين قصور التشريعات ومسؤولية المدارس الخاصة
كتب المستشار /احمد عاطف عامر

يمر المجتمع المصري اليوم بتحديات جسيمة على مستوى الجرائم التي تُرتكب ضد الفئات الأكثر هشاشة، وعلى رأسها الأطفال. ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح الوعي بهذه الجرائم أكبر من أي وقت مضى، حيث يمتلك ملايين المواطنين حسابات على منصات مثل فيسبوك، ما جعل تداول الأخبار والوقائع أسرع وأكثر تأثيرًا من الصحافة التقليدية.
الأطفال هم الثروة الحقيقية للمجتمع، ليس للأسر وحدها، بل للوطن بأسره، وقد أولتهم التشريعات والحكومات حماية خاصة. لكن الواقع يكشف عن ثغرات خطيرة في هذه الحماية، خصوصًا في المؤسسات التعليمية.
الجرائم في المؤسسات التعليمية
شهدت السنوات الأخيرة تعرض بعض الأطفال لجرائم متعددة داخل الحضانات والمدارس، سواء من القائمين على العملية التعليمية أو من زملائهم. المدرسة هي أول نافذة يطل منها الطفل على العالم الخارجي، بعيدًا عن أسرته ومعارفه، ما يجعلها بيئة حساسة تتطلب أعلى درجات الأمان والرعاية.
اللافت أن العديد من هذه الحوادث وقعت في مدارس خاصة، مثل قضية طفل البحيرة التي انتهت بإدانة الجاني، والقضية الأخرى التي تباشر النيابة العامة التحقيق فيها الآن. هذه الوقائع تثير تساؤلات حول طبيعة إدارة المدارس الخاصة وأولوياتها.
جذر المشكلة: الربح على حساب التعليم
يبدو أن السبب الرئيس وراء هذه الكوارث هو تركيز بعض إدارات المدارس الخاصة على الربح المادي، على حساب جودة العملية التعليمية وحماية الأطفال. إذ يتم اختيار العاملين وفق معيار الأجر الأقل، لا الكفاءة أو الخبرة، ما يفتح الباب أمام الإهمال أو حتى الجرائم.
قصور القانون الجنائي
القانون الجنائي المصري، الذي تجاوز عمره الثمانين عامًا، لم يجرم بشكل صريح الإهمال الواقع من إدارات المدارس الخاصة أو العامة. هذا القصور التشريعي يحرم القضاء من أدوات فعالة لردع المقصرين وحماية المجتمع. ومن هنا تبرز الحاجة الملحة لتعديل القانون بما يواكب الواقع ويمنح القضاء صلاحيات أوسع لمحاسبة المسؤولين.
المسؤولية المدنية ومسؤولية المتبوع عن أعمال تابعه
ورغم قصور القانون الجنائي في تجريم الإهمال، فإن المسؤولية المدنية قائمة وتُطبق بوضوح:
– في حالة المدارس العامة، يختص القضاء الإداري بتعويض أهالي المجني عليهم.
– أما في حالة المدارس الخاصة، فيُحاسب القضاء العادي الإدارة مرتين: الأولى لتقصيرها في حماية الأطفال، والثانية لمسؤوليتها عن أعمال تابعيها.
المسؤولية التقصيرية
المسؤولية التقصيرية هي أساس التعويض عن الأفعال غير المشروعة، وتقوم على ثلاثة أركان:
1. الخطأ: أي انحراف عن السلوك الواجب، مثل إهمال الإدارة في الرقابة أو اختيار العاملين.
2. الضرر: إصابة الطفل ماديًا أو معنويًا.
3. علاقة السببية: ارتباط مباشر بين الخطأ والضرر.
الإطار القانوني
– المادة 163 مدني: “كل خطأ سبب ضررًا للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض.”
– المادة 174 مدني: تُقرر مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعه غير المشروعة أثناء أو بسبب الوظيفة، وهو ما ينطبق على إدارات المدارس الخاصة والعامة.
وبذلك تصبح المسؤولية المدنية، بما فيها المسؤولية التقصيرية ومسؤولية المتبوع عن أعمال تابعه، أداة فعالة لتكريس العدالة الاجتماعية وضمان أن حماية الأطفال التزام قانوني لا يمكن التهاون فيه.
تثقيف الأهالي ومعايير التوعية
لا تكتمل منظومة حماية الأطفال دون إشراك الأسرة بشكل فعال، فالأهل هم خط الدفاع الأول عن أبنائهم. لذلك يصبح من الضروري وضع معايير واضحة لتثقيف الأهالي، تشمل:
– برامج إلزامية للتوعية.
– إرشادات مكتوبة ومعايير موحدة.
– التعاون مع الإعلام ووسائل التواصل.
– إشراك الأهالي في الرقابة المدرسية.
إن حماية الأطفال مسؤولية جماعية تبدأ من الأسرة ولا تنتهي عند حدود المدرسة. لكن المؤسسات التعليمية، خاصة الخاصة منها، تتحمل واجبًا مضاعفًا لأنها البيئة الأولى التي يختلط فيها الطفل بالعالم الخارجي. المطلوب اليوم هو تعديل التشريعات الجنائية لتجريم الإهمال بشكل واضح، وتشديد الرقابة على المدارس الخاصة، مع وضع معايير لتثقيف الأهالي، لضمان أن تكون أماكن التعليم بيئة آمنة لا تهدد حياة أو مستقبل أبنائنا.





