
كتب / محمود دياب
قدم الفنان زكي مرافعة من العيار الثقيل أمام المحكمة في فيلم (ضد الحكومة) وهو فيلم لذيذ ولطيف قد أشتم فيه رائحة الواقع أحياناً واسمح لي عزيزي القارئ أن أتقدم لسيادتكم بمرافعة كتلك التي قدمها أحمد زكي، وستكون مرافعتي عن شاب مجهول للمحكمة الموقرة، وسأترك لك الحكم كقاض وليس كقارئ، فترفق به يرحمك الله وعامله معاملة (هذا ولدنا)! لأنه ولدكم فعلاً.إن الشاب مثال للمواطن الذي عاش طوال عمره لا يفهم ما يدور حوله، رغم أنه يسمع ويرى، حيث إنه ابن هذه المرحلة بجدارة، تفتح وعيه على الغزو العراقي أو الصدامي أو البعثي، اختر المسمى الذي يعجبك، ولكن في النهاية هذا ما تفتحت عليه ذاكرته، وعندها أدرك أنه لا يفهم ما يحدث وكيف حدث؟ ورغم ذلك فقد انتظر وطنه لكي ينهض من جديد ولكن دون أن يفهم أيضاً لماذا يجب أن ينهض وطن النهار؟إنه ابن مرحلة الحداثة والمادية والفلسفة الداروينية الاجتماعية حيث البقاء لمن يملك (الواسطة الأكبر). إنه ابن مرحلة الماركات التي تتغير سريعا والسيارات السريعة والوجبات السريعة التي جعلت قيمه في الحياة تتغير بنفس سرعة الخدمة التي تقدمها هذه المطاعم، ولكن دون أن يفهم أيضاً كيف وصل إلى هذه المرحلة؟ ولماذا وصل أصلاً إلى هذه المرحلة؟إنه ابن هذه المرحلة التي شاهدت فيها أعضاء البرلمان وهم يوقعون المعاملات على التلفاز دون أن يفهم سبب هذا السلوك الضال عن الحكمة، وآخرون يوقعون المناقصات على حساب الوطن، بينما يوقع جميع من دونهم على (الحضور والانصراف) ولكنه رغم ذلك لم يفهم علة اختلاف التواقيع!شاهد أناسا كبارا لم يعودوا يميزون بين قيم البيت الأبيض وبين قيم البيت الكويتي، ولذلك فقد أصبح كل شيء عندهم مستباحا بما في ذلك الوطن نفسه، رافعين شعار (أطعمونا قبل أن نأكل هذا الوطن)، وأعذرني عزيزي القارئ أو سيدي القاضي على صراحتي، أنا فقط أحاول أن أعرض لسيادتكم الأسباب التي جعلت هذا الشاب هو المسخ الذي تحاكمه اليوم.إنه ابن المرحلة التي عاش فيها بين أناس يريدون للكويت أن تسير بالقطار حتى تصل محطة أفغانستان، وهؤلاء يجدون دائماً من يراهن عليهم، وأناس يريدون للقطار أن يسير بنا حتى نصل جميعا إلى إيران، وهؤلاء أيضاً يجدون دائما من يراهن عليهم، وأناس يريدون للكويت أن تصل إلى آخر الشهر عند أول راتب لكي يصرفوا على أبنائهم وعلى أنفسهم لكي يكونوا قادرين على ما يسر الله لهم، والصنف الأخير هذا لم يجد من يراهن عليه. وهو كشاب اعتاد دائما ًأن يكون في صفوف الخاسرين.إنه مثال للمواطن الذي عاش لينفذ و (يأكل) ما هو مطلوب منه دون أن يفهم.وكل ما أريده من سيادتكم قبل المحاكمة أن تجعلوه يفهم لكي ينهض، وتجعلوه يشارك لكي يحب، وتجعلوه يتكلم لكي يسمع، وقولوا له بكل بساطة وبدون بيانات صحافية أو كليشيهات وزارية لماذا تمر الكويت بهذه الأزمة وما هي الحلول وما دوره فيها وكيف يستطيع أن يتحمل في سياسة(من يصرخ أولاً) التي فرضت علينا من الخارج.هذا هو فقط ما يريده، يريد أن يفهم ماذا يحدث؟ لكي نتبادل فرحنا وحزننا وموتنا وحياتنا في هذا الوطن بلا أقنعة.فترفق به كما قلت، ولا تحكم عليه بأقسى العقوبة فإنه كشاب ليس ضد الحكومة ولا ضد المعارضة، إنه فقط يريد أن يعيش! يريد أن يعيش تماماً كما ينبغي للأحرار الذين يحبون أوطانهم أن يعيشوا…تخاريف