د.نهاد عياد تكتب : الحصانة البرلمانية .. حماية أم ثغرة؟

د.نهاد عياد تكتب : الحصانة البرلمانية .. حماية أم ثغرة؟
د. نهاد عياد
كاتبة دولية – مدربة دولية معتمدة
أخصائية تحاليل طبية – تغذية علاجية – تجميل غير جراحي
ومؤسسة مبادرة “بصمة نهاد” في عالم التنمية البشرية
بعد كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي التي جاءت لتضع النقاط فوق الحروف
عاد الجدل حول الانتخابات والعملية البرلمانية إلى الواجهة بقوة
وبين من يطالب بإلغاء الانتخابات بدافع التشكيك ومن يدعو لإعادتها بحثًا عن الاستقرار وبين من يشير إلى تجاوزات أو ضعف في بعض الممارسات
أصبح المشهد السياسي متشابكً يعكس أزمة أعمق تتعلق بثقة المواطنين في ممثليهم وفي قدرة البرلمان على أداء دوره الحقيقي
⸻
كلمة السر: الحصانة
الحصانة البرلمانية هي البوابة لفهم دور البرلمان وفاعليته
فهي ليست مجرد امتياز .. بل حماية دستورية تمنح النائب مساحة لممارسة دوره بعيدًا عن الضغوط السياسية أو الإبتزاز الإداري
وتهدف أساسًا إلى:
• حماية النواب من التدخلات غير المشروعة
• ضمان حرية التعبير والنقاش داخل المجلس
• تمكين السلطة التشريعية من مماارسة الرقابة وإتخاذ القرار دون خوف
لكن هذا المفهوم المثالي لا يتحقق دائمًا على أرض الواقع
فمن المؤسف أن تتحوّل الحصانة من وسيلة حماية إلى مظلة تخفي خلفها مصالح خاصة أو تستخدم كحاجز يعرقل المحاسبة
وهنا يكمن التحدي الحقيقي !
كيف نحافظ على هذه الآلية كضمان للحرية دون السماح لها بالتحول إلى ثغرة؟
⸻
الحصانة مع الالتزام
جوهر الحصانة لا يتعارض مع المساءلة
بل إن وجودها يفقد قيمته إن لم يُرافقه نظام رقابي واضح وسريع يكشف الانحرافات ويوقف أي استخدام خاطئ
فالتوازن بين الحماية والالتزام يعزز مصداقية المجلس ويعيد ثقة الناس في أن الحصانة أداة لحماية المال العام ليست سورًا لحجب الحقيقة
⸻
الواقع في مصر
النموذج العالمي يقوم على وضوح الإجراءات وسرعة التعامل مع أي تجاوز
أما في مصر حين تكون الإجراءات طويلة أو غير حاسمة بالقدر الكافي فتجعل منها مساحة رمادية قد يستغلها البعض بينما يفقد الجمهور الثقة في جدوى الرقابة
هذا لا يقلل من قوة القضاء أو الطعن فيه بل يشير إلى الحاجة لتطوير إطار عمل متكامل بين المجلس والجهات الرقابية لضمان حماية النواب الملتزمين وكشف أي تجاوز سريعًا
⸻
دور المجتمع في ضبط المشهد
المجلس جزء من منظومة أوسع والمواطنون هم نقطة الإرتكاز لتفعيل هذه الحماية
متابعة النواب وفهم القرارات وممارسة الرقابة عبر الوعي والتعبير المسؤول
تجعل الامتيازات أقل عرضة للاستغلال ويصبح الأعضاء أكثر حرصًا على احترام الثقة الممنوحة لهم
⸻
هل إلغاء الحصانة هو الحل؟
إلغاء الحصانة بالكامل قد يبدو خطوة جذابة عند الغضب الشعبي
لكنه في الحقيقة يترك البرلمان مكشوفًا وضعيفًا ويعطي فرصة لأي جهة لإختراق استقلاله
الحل ليس في الهدم بل في الترميم بطريقة أقوى:
• تحديد الحالات التي تُرفع فيها الحصانة بوضوح وشفافية
• تسريع إجراءات المساءلة
• منع استخدام الحصانة لتحقيق مكاسب شخصية
• ضمان أن تبقى مرتبطة بالعمل النيابي لا بالمنصب ذاته
⸻
وأخيراً
الحصانة البرلمانية ليست خصمًا للمواطن ولا سلاحًا للنائب بل مسؤولية مشتركة
حين تُدار بوعي تصبح دعامة للعدالة وحماية للدولة
وحين تُترك دون ضوابط تتحول إلى ثغرة تهدد ثقة الناس في ممثليهم
المعادلة بسيطة ومعقدة في الوقت ذاته:
حصانة تُمكّن .. ومساءلة تضبط ..
وبرلمان يعمل من أجل الوطن لا من أجل الأشخاص
حَمى الله مصر أرضًا وشعبًا وجيشًا ووطنًا
وجعل قرارها دائمًا في يد أبنائها المخلصين .









