رمضان فى مصر : بين التلاسن الفنى وجوع الروح ، يضيعُ شهر يسمو بالنفس والروح

بقلم : أيمن شاكر
رئيس قسم الأدب
رمضان ، شهر الغفران والرحمة ، شهرٌ تُرفع فيه الأيدي بالدعاء ، وتُغضّ الأبصار عن الزلل ، وتُكفّ الألسن عن البذاءة ، لكنّ المشهد في مصر د يختلف ؛ فبرامج ” التوك شو ” تغلي بمواجهاتٍ حامية ، ومواقع التواصل الاجتماعي تتصاعد فيها سحب التشنّجات بين الإعلاميين والفنانين والرياضيين ، وكأنّ الصيام لم يعد امتناعًا عن الطعام والشراب ، بل تحوّل إلى مسابقةٍ في افتراس اللحوم البشرية !
ففي وقتٍ يُفترض أن تكون فيه الروح هي بطلة المشهد ، يتحوّل رمضان إلى ساحة حربٍ تريندات ، ممثلون يتصارعون على الهواء مباشرةً ببرامج أقل ما يقال عنها أنها أجندات لنسف الوعى الأخلاقى ، فيتنافسون كالمصارعين في حلبة ، وفنانون يطلقون تصريحاتٍ كالسهام المسمومة ، ورياضيون يتحولون من أبطالٍ في الملاعب إلى مُتّهمين في قضايا التشهير ، كلّ هذا تحت شعار ” الترند ” و” الزعومة ” ، حيث تُسوَّق الإهانات كفقرات ترفيهية ، ويُقدَّم التنابز بالألقاب كفنٍّ من فنون الجذب الجماهيري !
والسؤال هنا : أين صيام الجوارح هنا ؟
أين الصوم عن قول الزور ؟
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ { مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ } رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا وَالنَّسَائِيَّ.
فكيف بمن لا يكتفي بقول الزور ، بل يتفنن في إذاعة الخصومات ، ويفطر على كراهية ، تُقدّم في طبق من ذهب ؟
فلو بحثنا قليلاً عن تعريف البرامج والمسلسلات فى مصر فلم نجد إلا هذا التعريف :-
{ التضحية بالأخ والفرند ، على مذبح الشهرة والترند }
ـ ففي سباقٍ محموم نحو الشهرة ، تُدفن الأخلاق تحت أنقاض التعليقات الجارحة ، والخلافات الشخصية تُحوّل إلى دراما عامة ، والفضائح تُسوّق كأعمال درامية ! والأمر الأكثر إيلامًا أنَّ البعض يتبارى في ابتكار الألقاب المهينة ، وكأنَّ رمضان بقدسيته أصبح شهر ” المسابقات التلفزيونية ” بلا ضوابط ، حيث الفائز هو مَن يصرخ أعلى ، وليس مَن يتقي الله أكثر.
يا أهل مصر الغاليه ، يا من عُرفتم بحِلم الأزهر وقلب أم الدنيا النابض بالإيمان ، أليس رمضان فرصةٌ لِتَسموا فوق الزلات ، وتُطهّروا قلوبكم من حقدٍ علق بها ؟
تذكّروا أنَّ الصيام ليس جوعًا من الطعام ، بل ثورةٌ على النقص في النفس ، فهل نخرج من هذا الشهر وقد ازددنا تباعدًا ، أم نغتنمه لِنُصلح ما أفسدته الألسن ؟
فلِتكن كلماتنا في رمضان كالندى ، لا كالسكاكين ولْنصُمْ حقًّا عن كلّ ما يُغضب الرحمن ، فربما كان هذا الشهر آخر موعدٍ نلتقي فيه مع أنفسنا . قبل أن نُحاسب على كلّ كلمةٍ جرحت ، وكلّ لفظٍ شوّه روح الصيام .
{ وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ } … فاجعلوا من أخلاقكم صيامًا لا يُفطر .
سنلتقى إن كان فى العمر بقيه