مشاهير

عُقد الحب : حين تصبح الخلافات نُسُجًا لقصة لا تنتهى

الحب هو الحياه

بقلم الكاتب الصحفى أيمن شاكر
رئيس قسم الأدب ✍🏻

ليست العلاقات الإنسانية خطًّا مُستقيمًا يُضاء فجأةً ويختفي ، بل هي أشبه بخيطٍ قُدِّر له أن يتشابك ، يلتوي ، يُحاك في نقاطٍ مُظلمة أحيانًا ، ثم يَخرج من كل عقدةٍ أكثرَ متانةً ، قد تبدو الخلافات بين الحبيبين كصاعقةٍ تُهدّد ما بُنِيَ ، لكنّها في الحقيقة إزميلٌ ينحت في جدارِ القلبِ مساحاتٍ أعمقَ ليدخلَ فيه المزيد من التفاصيل ، المزيد من الأسئلة ، والمزيد من الإجابات التي لم تكن لتُكتشف لولا تلك الزوبعة العابرة .

الحب الحقيقي لا يخشى الاصطدام ، بل يخشى الركود . فكلّما ارتطمت المشاعر ببعضها ، كلّما اشتعلت نارٌ تذيبُ ما هو زائفٌ في المشاعر ، لتتبقّى سبائكُ الذهب الخالص . تخيّلوا أنَّ خيطًا من حريرٍ ناعمٍ قابلٌ للتمزق بمجرّد نفخةِ ريح ، لكن إذا حُوكَت عُقَدٌ على امتداده ، أصبح قادرًا على حمل الأوزان الثقيلة . هكذا نحن ؛ كلّ خلافٍ يُعيد اكتشافَ مناطقَ في قلوبنا لم نكن نعرف أننا نحتاج إلى من يلمسها ، يضمدها ، أو يُنقّيها من شوائبِ سوء الفهم.

ليست العُقدُ في الخيط عيوبًا ، بل علاماتٌ تروي مسيرةَ الخيطِ وتجاربه . عندما نختلف ، نكسر الروتين الذي قد يتحوّل إلى قيدٍ نعتاد عليه دون إدراك . نصرخ ، نغضب ، نسكت ، ثم نعود حاملين في أيدينا قطعًا من ذواتنا كُشف عنها أثناء العاصفة ، نتبادلها كهدايا ، نعيد تركيبها معًا ، فنخلقُ من أنفسنا كائنًا جديدًا ، أكثرَ قُدرةً على احتواء التناقضات .
هنا بالذات ، في لحظةِ إصلاح ما انكسر ، نُدرك أنَّ الحب ليس مشهدًا سينمائيًّا مثاليًّا ، بل ورشة عملٍ يوميةٍ ننحت فيها الصبر ، ونُقلّب فيها صفحاتِ نوايانا بصدق.

الأجمل أنَّ الحب لا يموت لأننا نختلف ، بل يموت إن توقفنا عن الاختلاف ! عندما نخاف من الصدام ، ندفن مشاعرنا تحت سجادةٍ من الابتسامات المزيّفة ، فتتراكم الأتربة في صدورنا حتى تصيرَ جبالًا ، أما حين نُجرّب أن نكونَ هشّين أمام بعضنا ، نعترف بأخطائنا ، نغفر بسرعة ، نضحك من غباء المواقف التي أوصلتنا إلى ذاك الخصام ، نُدرك أنَّ العُقد التي صنعناها لم تكن سوى حبالِ نجاةٍ أنقذتنا من الغرق في بحرِ الغموض .

في النهاية ، لا تبحث عن حبٍ لا يُشبهك ، لا يغضبُ منك ، لا يتشبثُ بك كطفلٍ يخاف أن يفقد لعبتَه . ابحث عن مَن يجعلك تشعر أنَّ كلَّ عاصفةٍ مرّتْ بينكما لم تكن سوى مطرٍ غسلَ الأوهام ، لتبقى أنتما واقفَينِ تحت سماءٍ واحدة ، تمسكان بالخيط المتشابك ، وتضحكان لأنَّكم تعرفون الآن : كلما زادت العُقد ، صار الحبُّ أشبهَ بوشاحٍ يلفّكم معًا ، يحميكم من بردِ الدنيا ، ويُذكّركما أنَّ القوة لا تكمن في أن تكونا خيطَينِ منفصلين ، بل في أن تُصبحا نسيجًا واحدًا … تُمسكانه الحياةُ فلا تستطيع تمزيقه .

سنلتقى إن كان فى العمر بقيه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى