كفر طعطع: عندما تُروى حكايات الريف بسموم الصمت وهمسات الثرثرة”
في قلب الريف المصري، حيث تنبض الحياة بعفويتها وبساطتها، وحيث تختبئ الحكايات بين أزقة القرى وحقول القمح، ظهر صوت جديد في عالم الأدب، يأخذ بيد القارئ ليريه صورة أخرى من صور مصر. الدكتور هاني الشافعي، الحاصل على دكتوراه في النقد الأدبي والذي يعمل في قطاع الهندسة، اختار أن يروي قصص الريف المصري في مجموعته القصصية “كفر طعطع”، – تحت الطبع – ليجمع بين واقع الحياة الريفية وتطلعات أبطالها.
يقول الناقد الكبير الأستاذ الدكتور حسن نوفل أستاذ ورئيس قسم البلاغة والنقد الأدبي جامعة عين شمس رئيس نادي الأدباء:
حين أطلعت على بروفات المجموعة القصصية “كفر طعطع” وجدت كنزاً ريفياً.
في “كفر طعطع”، يجد القارئ نفسه أمام عالم واقعي لكنه مليء بالسحر؛ سحر التفاصيل البسيطة التي تصنع نسيج الحياة الريفية. يعبر الشافعي عن هموم الفلاحين، ويغوص في أعماق مشكلاتهم التي تتنوع بين صراعهم مع الطبيعة القاسية، ومعاركهم اليومية للبقاء. بأسلوبه المميز، يعيدنا الشافعي إلى الجذور، إلى حيث بدأت الحكايات الأولى.
إحدى أهم القضايا التي يتناولها الشافعي في مجموعته هي قضية الثرثرة والتدخل في شؤون الآخرين، التي غالبًا ما تؤدي إلى نشأة الكراهية بين أفراد العائلة الواحدة. في إحدى قصص “كفر طعطع”، يصور لنا الشافعي هذه القضية من خلال بطلين رئيسيين: عمدة معزول، ليس فقط بشكل رسمي ولكن معزول اجتماعيًا، وغفير كثير الثرثرة.
العمدة، المعروف برصانته ووسامته، يلتزم بأداء الصلاة على أوقاتها، ما يضفي عليه هالة من الوقار والاحترام بين أهالي القرية. ورغم قلة حديثه، إلا أنه يتمتع بقدرة استثنائية على زراعة الكراهية بين أفراد العائلة الواحدة. فتصرفاته وكلماته، التي يحرص على اختيارها بعناية، تُشبه السم الذي يتسرب ببطء، ليُفسد العلاقات ويُثير الفتن. هو رجل يُعرَف بهيبته، ولكنه في الوقت نفسه يُعرق سُمًّا، محركًا الصراعات والخلافات دون أن يلفظ كلمة واحدة.
أما الغفير “عبد العزيز”، فهو رمز للسلوك السلبي، الرجل الرخيص الذي لا يتوقف عن الحديث بلا فائدة، مما يؤدي في النهاية إلى تفاقم المشكلات. الغفير، بشخصيته المتعثرة في الحديث “التهتهة”، يمثل الجانب الهزلي من الصراع، لكنه في الوقت نفسه يعكس عمق التوتر الذي يخلقه التدخل في شؤون الآخرين.
الشافعي، بأسلوبه الدقيق، يعرض لنا كيف يمكن لمثل هذه العادات السلبية أن تؤدي إلى تدمير العلاقات وتفتيت العائلة.
الريف، بالنسبة للشافعي، ليس مجرد مكان، بل هو رمز للصمود والثبات، وحاضن للقيم والأخلاق التي بدأت تندثر في عالمنا الحديث. ولكن في نفس الوقت، لا يتجاهل الشافعي النقد اللاذع لبعض تلك العادات التي تُعَكِّر صفو الحياة الريفية، كالتدخل في شؤون الآخرين والثرثرة التي تزرع الكراهية.
“كفر طعطع” ليست مجرد مجموعة قصصية، بل هي رحلة إلى قلب مصر. من خلال هذه القصص، ينجح الشافعي في نقلنا إلى عالم الريف، ليعيش القارئ بين أبطاله، ويشعر بمشاكلهم، ويشاركهم أحلامهم التي قد تبدو بسيطة، لكنها تعكس تطلعات أمة بأكملها. بفضل أسلوبه السلس والجذاب، ينجح الشافعي في تقديم صورة جديدة للريف المصري، صورة تجمع بين الصدق والإبداع.
وفي النهاية، يمكننا القول إن الدكتور هاني الشافعي قد نجح في تقديم صوت جديد للأدب المصري، صوت يحمل عبق الأرض ورائحة القمح، صوت يروي قصصًا لا تنتهي عن الحب، الكفاح، والصبر. “كفر طعطع” ليست مجرد مجموعة قصصية، بل هي نافذة على الريف المصري، الذي رغم كل الصعوبات، لا يزال ينبض بالحياة، ويحتفظ بجماله الفريد.