كَبِرنا فجأة … ولم نعد نجد أحضانًا نُخبئ فيها دموعنا

بقلم الكاتب الصحفى : أيمن شاكر
رئيس قسم الأدب ✍🏻
كم هو قاسٍ ذلك الشعور عندما تستيقظ فجأةً فتجد السنوات قد مرت كالحلم ، وتكتشف أنك لم تعد ذلك الطفل الذي يلجأ إلى أحضان أمه حين يخاف ، أو يبكي بحرقة فيُمسح دمعه بيد حانية.
لقد كبرنا … فجأةً ، دون أن نستعد . تحولت أحلامنا البسيطة إلى أعباء ثقيلة ، وأصبحت ضحكاتنا العفوية مجرد أقنعة نخفي خلفها وجعًا لا يُحتمل.
نحن الآن “الكبار” الذين كنّا نعتقد أنهم أقوياء ، لكننا في الحقيقة ما زلنا نحمل ذلك الطفل الصغير الذي يصرخ بداخلنا :-
” أنا لست مستعدًا لهذا العبء ”
تمر الأيام سريعًا كالريح ، ونحن نحاول جاهدين أن نمسك بها ، لكنها تفلت من بين أصابعنا كالماء. ننظر إلى الوراء فنجد ذكريات الطفولة تبتسم لنا من بعيد ، بينما نواجه واقعًا قاسيًا مليئًا بالمسؤوليات التي لا تنتهي .
الفاتورة التي يجب دفعها ، العمل الذي يجب إنجازه ، الأحلام التي يجب تأجيلها … كلها أشياء جعلتنا ننسى أننا ما زلنا نحتاج إلى أن نكون أطفالًا أحيانًا ، نتظاهر بالقوة لأن المجتمع لا يرحم الضعفاء ، نبتسم رغم أن قلوبنا تنزف ، ونواجه العالم وكأننا أبطال ، بينما في الداخل نحن مجرد أطفال خائفين يبحثون عن مكان آمن.
ذلك الطفل الذي ما زال يعيش بداخلنا يريد أن يلعب ، أن يضحك دون قيود ، أن يخطئ دون عقاب . لكننا أخفيناه بعيدًا ، لأن “الكبار” لا يُسمح لهم بالضعف .
أتذكر مقولة الدكتور أحمد خالد توفيق التي تقطع القلب :-
” أود أن أبكي وأرتجف وألتصق بأحد الكبار ، ولكن الحقيقة القاسية هي أنني أحد الكبار ”
نعم ، هذه هي المفارقة الأكثر إيلامًا … لقد أصبحنا نحن “الكبار” الذين كنّا نلجأ إليهم ، ولم يعد هناك أحد لنلجأ إليه إلا أنفسنا.
ورغم كل هذا ، ما زلنا نحاول ، ننهض كل صباح ونواصل المسير ، لأن الحياة لا تنتظر أحدًا ، نتعلم كيف نحمل آلامنا في صمت ، وكيف نبتسم رغم الدموع ، لأن هذا ما يتوقعه العالم منا ، لكن في لحظات الهدوء ، حين يغلق الباب وتنطفئ الأنوار ، نسمع ذلك الصغير بداخلنا يهمس :-
” أنا هنا … ما زلتُ أحتاجك ”
ربما هذه هي يدة النضج … أن نكون بالغين من الخارج ، وأطفالًا من الداخل ، عالقين بين عالمين ، لا ننتمي تمامًا إلى أي منهما.
لكن دعونا لا ننسى أن هذا الطفل الداخلي هو ما يجعلنا بشرًا ، هو مصدر براءتنا ، أحلامنا ، وقدرتنا على أن نجد السعادة في أصغر الأشياء.
ربما علينا أن نمنحه بعض الوقت بين الحين والآخر … أن نسمح لأنفسنا بالضعف قليلًا ، أن نعترف أننا ما زلنا نحتاج إلى الحب ، إلى الحنان ، إلى أن نكون أطفالًا مرة أخرى ، ولو لبعض اللحظات.
ففي النهاية … قد نكون كبارًا في عيون العالم ، لكن قلوبنا ستظل تحمل ذلك الطفل الذي ينتظر إشارة واحدة ليعود من جديد … طفلٌ يحتاج فقط إلى أن يُقال له :-
“لا بأس.. يمكنك البكاء ، فأنا ما زلت هنا لأحميك”
سنلتقى إن كان فى العمر بقيه