اللغة مهما بَلغت بلاغتُها تظل قاصرة أمام أسرار القلب ، فهناك لغات صامتة منحنا الله إياها

بقلم الكاتب الصحفى أيمن شاكر
رئيس قسم الأدب
الإنسان كائن معقد ، تحمل أعماقه عواصف من المشاعر التي تعجز الكلمات عن توصيلها ، فكيف تُترجم آلاماً لا تُقاس ، أو فرحًا يختلط بالحزن ، أو شوقًا يذيب الروح ؟
اللغة مهما بلغت بلاغتها تظل قاصرة أمام أسرار القلب ، لذلك من حكمة الخالق أن منحنا لغات أخرى صامتة ، تُنقل ما لا يُقال : التنهيدة ، الدموع ، النوم الطويل ، الابتسامة الباردة ، ورجف اليدين ، هذه ليست مجرد ردود أفعال عابرة ، بل رموزٌ مقدسة لفك شفرات الروح .
فالتنهيدة هي صوت القلب حين يثقل بما يحمل فهى ليست مجرد زفيرٍ طويل ، بل رسالة صامتة إلى السماء ، إعترافٌ بالضعف ، أو صرخة استغاثة لا يسمعها إلا من خلق الأكوان ،
أما الدموع ، فهي أقوى بيانٍ عن الألم . إنها تُذيب الجبال بداخلنا ، وتغسل ما لا تراه العيون ، فقد تبكي العينان من فرط الفرح ، أو من وحشة الغياب ، لكنها في كل الأحوال لغةٌ لا تحتاج إلى ترجمة .
والنوم الطويل ليس هروبًا ، بل ملجأٌ يُخبئ الروح تحت جناحيه حين تفشل اليقظة في احتواء الواقع . هو حوارٌ صامت مع الذات ، محاولةٌ لإعادة ترتيب الأفكار التي تتناثر كأوراق الخريف.
بينما الابتسامة الباردة قناعٌ من حرير ، يخفي خلفه جراحًا لا تُحصى . كم من ابتسامةٍ أخفت دموعًا ، أو غطت على أنينٍ داخلي ! إنها إثباتٌ أن الإنسان قد يُضحك العالم بينما قلبه يبكي.
أما رجف اليدين ، فليس ضعفًا ، بل شاهدٌ على المعارك الخفية . تلك التي تُخاض في صمت ، حين يقف المرء أمام موقفٍ يفوق تحمله ، فيتحول الجسد إلى مرآة تعكس ما يعجز اللسان عن البوح به.
ولكن في النهاية ، ليست الحياة دائمًا بحاجة إلى كلمات . فربما جمال المشاعر يكمن في صمتها ، وعظمتها في عدم القدرة على وصفها . فقد خلق الله تلك اللغات السرية ليعلمنا أن بعض الأسرار لا تُفشى ، بل تُحفظ في طيات الصمت ، وتُدفن في زوايا الروح . فليست كل جراحنا تحتاج إلى ضماد ، ولا كل أحزاننا تحتاج إلى عزاء ، أحيانًا ، يكون الصمت هو البلسم ، والسكوت هو الحكمة ، والاحتواء الذاتي هو أقوى تعبير عن الإرادة.
فلا تستهن بقوة التنهيدة التي ترفع إلى السماء ، ولا بدمعةٍ تُبلل الصفحات السرية من القلب ، ولا بنومٍ طويلٍ يُعيد للروح طاقتها . ففي هذه التفاصيل الصغيرة … يكمن سر البقاء
سنلتقى إن كان فى العمر بقيه