محمد سعفان: ” تشريعات تحت المجهر” كيف تعيد تعديلات الإجراءات الجنائية والإيجارات رسم خريطة العدالة وتعيد رسم ملامح التوازن التشريعي في الدولة المصرية:
المستشار محمد سعفان
محمد سعفان: ” تشريعات تحت المجهر” كيف تعيد تعديلات الإجراءات الجنائية والإيجارات رسم خريطة العدالة وتعيد رسم ملامح التوازن التشريعي في الدولة المصرية:

القاهرة –
أكد المستشار القانوني محمد علي سعفان، المحامي بالنقض والمستشار القانوني، أن المرحلة الراهنة تشهد حراكًا تشريعيًا واسع النطاق، يعكس توجه الدولة المصرية نحو تحديث بنيتها القانونية بما يتلاءم مع المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية، ويحقق قدرًا أكبر من العدالة والاستقرار، خاصة فيما يتعلق بملفين في غاية الأهمية، هما تعديلات قانون الإيجارات وتعديلات قانون الإجراءات الجنائية، لما لهما من تأثير مباشر على حياة المواطنين وعلى منظومة العدالة ككل.

وأوضح سعفان أن المشرّع المصري بات أكثر وعيًا بضرورة التدخل التشريعي لإعادة ضبط علاقات قانونية ظلت لسنوات طويلة تعاني من اختلال واضح في التوازن، وهو ما تجلى بشكل خاص في ملف الإيجارات القديمة، الذي يمس ملايين الوحدات السكنية والتجارية على مستوى الجمهورية، ويؤثر بشكل مباشر على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

وأشار إلى أن تعديلات قانون الإيجارات القديمة جاءت استجابة لأحكام المحكمة الدستورية العليا، والتي أكدت في أكثر من حكم على عدم دستورية تجميد الأجرة وامتداد عقود الإيجار إلى أجل غير مسمى دون ضوابط عادلة، باعتبار أن ذلك يمثل مساسًا جوهريًا بحق الملكية الخاصة.

وأضاف أن الدستور المصري قد حسم هذا الأمر بشكل واضح، حيث نصت المادة (35) منه على أن:
«الملكية الخاصة مصونة، ولا يجوز المساس بها إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض عادل»
وهو ما يفرض على المشرّع التزامًا دستوريًا بإيجاد صيغة تشريعية تحقق التوازن بين حماية الملكية وبين مراعاة البُعد الاجتماعي للمستأجرين.
كما أكد المستشار/ محمد علي سعفان أن فلسفة التعديل لا تقوم على الإخلاء الفوري أو تحميل المستأجر أعباء مفاجئة، وإنما تعتمد على مراحل انتقالية مدروسة، وزيادات متدرجة في القيمة الإيجارية، تتيح للأطراف توفيق أوضاعهم القانونية، وتحقق الاستقرار في المعاملات، وتحافظ على السلم الاجتماعي.
وأوضح أن العدالة في هذا الملف لا تعني الانحياز لطرف دون آخر، بل تعني تحقيق العدالة التعاقدية، بحيث يحصل المالك على عائد عادل يتناسب مع قيمة ملكه، وفي الوقت ذاته يتم حماية المستأجر من أي تعسف أو اضطراب مفاجئ في مركزه القانوني، مشددًا على أن نجاح هذه التعديلات مرهون بحسن التطبيق والالتزام بروح النص وليس مجرد حرفه.
وفي سياق آخر، تطرق المستشار/ محمد علي سعفان إلى تعديلات قانون الإجراءات الجنائية، مؤكدًا أنها تمثل واحدة من أهم الخطوات الإصلاحية في منظومة العدالة الجنائية منذ صدور القانون الحالي، حيث استهدفت هذه التعديلات تحقيق توازن دقيق بين متطلبات الأمن المجتمعي وحقوق الأفراد وحرياتهم الأساسية.
وأوضح أن التعديلات عززت من ضمانات المتهم في مرحلتي التحقيق والمحاكمة، بما يتوافق مع نصوص الدستور المصري والاتفاقيات الدولية التي صدقت عليها مصر، وعلى رأسها الحق في الدفاع، وقرينة البراءة، وعدم جواز المساس بكرامة الإنسان.
وأشار إلى أن المادة (54) من الدستور نصت صراحة على أن:
” كل من تقيد حريته تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامته، ولا يجوز تعذيبه أو ترهيبه أو إيذاؤه بدنيًا أو معنويًا”
وهو ما انعكس بشكل مباشر في التعديلات الجديدة التي أعادت تنظيم إجراءات القبض والتحقيق، وضبطت مدد الحبس الاحتياطي، وأكدت على أن الأصل هو الحرية، وأن الحبس الاحتياطي إجراء استثنائي لا يجوز التوسع فيه دون مبرر قانون.
وأضاف سعفان أن التوسع في بدائل الحبس الاحتياطي، مثل التدابير الاحترازية، يمثل تحولًا تشريعيًا مهمًا يحقق مصلحة العدالة، ويساهم في تقليل التكدس داخل أماكن الاحتجاز، ويضمن عدم الإضرار غير المبرر بمستقبل المتهمين الذين لم تصدر بحقهم أحكام نهائية.
كما أشار إلى أن التعديلات شملت تنظيم آجال الطعون، وتفعيل الوسائل الإلكترونية في بعض الإجراءات، وهو ما ينعكس إيجابًا على سرعة الفصل في القضايا، ويحقق مفهوم العدالة الناجزة، دون الإخلال بحقوق الدفاع أو ضمانات المحاكمة العادلة.
وشدد المستشار/ محمد علي سعفان على أن هذه التعديلات التشريعية، رغم أهميتها، تفرض مسؤولية كبيرة على عاتق المحامين والقضاة وأجهزة إنفاذ القانون، لضمان التطبيق السليم للنصوص، وتحقيق الغاية التي استهدفها المشرّع، بعيدًا عن الجمود أو التفسير الخاطئ.
واختتم سعفان تصريحاته بالتأكيد على أن المرحلة المقبلة تتطلب تفعيل دور التوعية القانونية، سواء للأفراد أو الشركات، مشيرًا إلى أن الجهل بالتعديلات التشريعية قد يؤدي إلى اتخاذ قرارات قانونية خاطئة، وهو ما يستوجب اللجوء إلى المستشارين القانونيين المتخصصين، ومتابعة المستجدات التشريعية بشكل مستمر، بما يحقق الاستقرار القانوني ويحمي الحقوق.




