من قاعات المحاكم الي قاعات التدريس : المسيرة القانونية للدكتورة أميرة فاروق الأنصاري

في محراب القانون تتجلى شخصيات تجمع بين الفكر القانوني العميق والتطبيق العملي المتقن، ومن بين هذه الشخصيات تبرز د. أميرة فاروق الأنصاري، المحاضر بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية، والمحامية بالاستئناف العالي ومجلس الدولة، التي كرّست مسيرتها لإرساء منهج متكامل يجمع بين النظرية والتطبيق، ساعية إلى سد الفجوة بين الدراسات الأكاديمية والممارسة الفعلية أمام المحاكم.
من خلال التدريس الأكاديمي، تتبنى رؤية تستند إلى المزج بين التأصيل النظري والتدريب العملي، إدراكًا منها بأن تكوين رجل القانون لا يكتمل بالمعرفة النظرية وحدها، بل يتطلب دراية دقيقة بآليات التقاضي، وصياغة الدعاوى، وبناء المرافعات، وهو ما تفتقر إليه المناهج التقليدية التي تُقصي الطلاب عن أروقة المحاكم، وتُبقيهم أسرى النصوص المجردة دون ممارسة تطبيقية.
امتدادًا لهذا النهج، جاء إصدارها لمؤلفها القانوني المتخصص “وسائل إجبار الإدارة على تنفيذ الأحكام الإدارية”، الذي يتناول أحد أهم الإشكاليات العملية في مجال القضاء الإداري، محللاً الإطار القانوني لضمان تنفيذ الأحكام الصادرة ضد الجهات الإدارية، ومقترحًا آليات تكفل تحقيق سيادة القانون، وفق دراسة معمقة للتشريعات المقارنة والاجتهادات القضائية.
وفي مجال المحاماة، تتجلى براعتها في معالجة القضايا ذات الطابع الجنائي والإداري، حيث تستند إلى فهم دقيق لبنية النصوص القانونية وروح التشريع، ما يتيح لها استنباط الدفوع القانونية الأكثر تأثيرًا، وتقديم استراتيجيات دفاع تتسم بالعمق والدقة. لم تقتصر خبرتها على الساحة المصرية، بل امتدت إلى تقديم استشارات قانونية كبرى على المستوى الإقليمي، لا سيما بدولة الإمارات العربية المتحدة، حيث ساهمت في تقديم رؤى قانونية متميزة في قضايا متنوعة.
لم يتوقف عطاؤها عند ساحات القضاء، بل امتد إلى نقل خبراتها لجيل جديد من المحامين، حيث تشغل أيضًا منصب محاضر بالنقابة العامة لمحامين مصر، مقدمةً العديد من الدورات والندوات التدريبية التي تهدف إلى تمكين المحامين من أدواتهم العملية في المرافعة، وصياغة العقود، وبناء الحجج القانونية، وفق مناهج تدريبية عملية تتجاوز الإطار التقليدي للتعليم القانوني، وتعزز قدرة المحامين على التعامل مع الواقع العملي بكفاءة واحترافية.
وفي رؤيتها لتطوير مهنة المحاماة، تؤكد على ضرورة إعادة النظر في أساليب تأهيل المحامين، بحيث لا يقتصر الأمر على الدراسة الأكاديمية، بل يشمل برامج تدريبية مكثفة تحاكي الواقع العملي، وتتيح للمحامي التعامل مع معطيات العمل القانوني بأسلوب احترافي، مع التأكيد على أهمية التحديث المستمر للأدوات القانونية، بما يتناسب مع التطورات التشريعية والتكنولوجية المتلاحقة.
مسيرة مهنية تجمع بين التميز الأكاديمي والبراعة المهنية، تجسد نموذجًا لرجل القانون المتكامل، الذي لا يكتفي بالوقوف عند حدود النظرية، بل يسعى إلى تطبيقها في ساحات العدالة، إيمانًا بأن القانون لا يُقاس بمدى نصاعته في الكتب، بل بمدى قدرته على تحقيق العدل في الواقع المعيش.