كفاءة لا تعرف الحدود، كيف غيّر عمر سليمان صورة الكيمياء بين طلابه وكيف أثبت أن المدرس المصري قادر على صناعة الفارق ؟

بقلم الإعلامية: منار أيمن سليم
في زمن تتسابق فيه العقول نحو التميز، وتعلو فيه الحاجة إلى معلمين يحملون رسالة التعليم بروح الإبداع لا بروتين التلقين، يبرز إسم الأستاذ عمر سليمان كواحد من النماذج الاستثنائية في ميدان تدريس الكيمياء للثانوية العامة. تخرج من كلية التربية – قسم كيمياء إنجلش – من جامعة الإسكندرية، إستطاع أن يكتب لنفسه سطرًا خاصًا في سجل المدرسين الذين لا يكتفون بالشرح، بل يصنعون فارقًا حقيقيًا في حياة طلابهم.
منذ سنوات دراسته الجامعية، كان معروفًا بين زملائه بقدرته على تبسيط أعقد المعلومات العلمية. لم يكن ينظر إلى الكيمياء كمادة دراسية جامدة، بل كعلم حيّ يفسر تفاصيل الحياة من حولنا. وبينما كان الكثيرون يجدون صعوبة في فهم التفاعلات والمعادلات، كان هو يعيد صياغتها في صورة أمثلة يومية قريبة من الذهن، الأمر الذي جعله محبوبًا لدى أقرانه قبل أن يصبح محبوبًا لدى طلابه.
عندما التحق بمهنة التدريس، حمل على عاتقه هدفًا واضحًا: أن يُغيّر الصورة النمطية عن مادة الكيمياء، تلك المادة التي لطالما ارتبطت في أذهان الطلاب بالصعوبة والتعقيد. وقد بدأ رحلته داخل الفصول الدراسية وهو يضع نصب عينيه فكرة “التعليم الممتع”، أي أن يعيش الطالب لحظة الفهم والاكتشاف بمتعة لا تقل عن متعة الترفيه.
اعتمد على أساليب تدريس مبتكرة. فهو يوظف التجارب العملية المصغرة ليجعل الطالب يرى بعينه ما يقرأه في الكتاب، ويستعين بالقصص والمواقف الحياتية لشرح القوانين والمعادلات. كما يستغل التكنولوجيا بذكاء، فيستخدم مقاطع الفيديو والوسائط التفاعلية لتوضيح المفاهيم، ما يجعل دروسه أكثر قربًا من عقول جيل نشأ في عصر الرقمنة.
لكن سر نجاحه لم يكن في الطرق العلمية وحدها، بل في الجانب الإنساني الذي يقدمه لطلابه. فهو يؤمن أن الطالب لا يتعلم بعقل منفصل عن مشاعره، وأن الضغوط النفسية للثانوية العامة قد تُعيق الفهم أكثر من صعوبة المادة نفسها. لذلك، يسعى دائمًا إلى أن يكون داعمًا نفسيًا لطلابه، يشجعهم على مواجهة الخوف من الامتحان، ويزرع فيهم الثقة بأن النجاح ممكن متى ما اجتهدوا وأحسنوا التنظيم.
كثير من طلابه يصفونه بـ “المعلم القريب”، لأنه لا يتعامل معهم بتعالٍ أو جمود، بل يجلس بينهم كأخ أكبر أو صديق مرشد. يسألهم عن أحلامهم المستقبلية، يشاركهم قصصًا ملهمة من حياته الجامعية، ويحرص على أن يخرج كل طالب من الحصة وهو يشعر أنه اكتسب معرفة جديدة وثقة أكبر بنفسه.
وبعيدًا عن التدريس المباشر، يشارك في أنشطة تعليمية مجتمعية، حيث يقدم ورش عمل للطلاب المهتمين بالعلوم، ويساعد في توعية أولياء الأمور بكيفية التعامل مع الضغوط التي يواجهها أبناؤهم. كما يسعى لتقديم محتوى علمي رقمي على المنصات الإلكترونية ليصل إلى طلاب خارج الإسكندرية، مؤمنًا أن رسالته أوسع من حدود الفصل الواحد.
وعن طموحاته المستقبلية، يؤكد أنه يحلم بإنشاء مركز تعليمي متخصص في العلوم، يعتمد على التجريب العملي والمحاكاة التفاعلية بدلًا من الاقتصار على الشرح النظري. ويرى أن تطوير التعليم في مصر يبدأ من المعلم، حين يقرر أن يكون قدوة حقيقية وصاحب رسالة، لا مجرد ناقل لمحتوى الكتب الدراسية.
إن قصة عمر سليمان ليست مجرد سيرة لمعلم كيمياء بارع، بل هي شهادة على أن التعليم رسالة تُبنى بالحب والإخلاص. هو نموذج لشاب آمن أن بإمكانه تغيير واقع طلابه، فسعى لذلك بكل ما يملك من علم ووقت وجهد. واليوم، يمكن القول إن اسمه أصبح علامة فارقة في ميدان تدريس الكيمياء، ليس لأنه يخرج طلابًا متفوقين فقط، بل لأنه يخرج طلابًا مؤمنين بأن العلم متعة، وأن المستقبل يبدأ من مقعد الدراسة.