مهند الطيب… حين تتحوّل التجربة الميدانية إلى شهادة إنسانية في قلب الحدث

في مسيرته الفنية والإعلامية، يواصل الكاتب والمخرج والمنتج العراقي مهند الطيب ترسيخ حضوره كصوت مهني يشتغل على الذاكرة، والإنسان، والأسئلة الكبرى التي تفرضها التحولات الاجتماعية والسياسية في المنطقة. وفي أحدث تجاربه، خاض الطيب تجربة ميدانية لافتة في منطقة الحنانة، شكّلت محطة مفصلية في مشروعه الوثائقي الجديد المعنون «قلب العالم».
لم تكن الحنانة بالنسبة لمهند الطيب مجرد موقع جغرافي أو حدث عابر، بل مساحة حيّة للتأمل والتوثيق، ومختبرًا إنسانيًا مفتوحًا لرصد العلاقة المعقّدة بين الإنسان والمكان، وبين الإيمان اليومي والواقع المتحوّل. من قلب هذه التجربة، عمل الطيب على الاقتراب من التفاصيل الصغيرة التي غالبًا ما تغيب عن التغطيات السريعة، ساعيًا إلى تقديم قراءة هادئة، متزنة، ومسؤولة لما يدور في الوعي الجمعي.
يحمل الفيلم الوثائقي «قلب العالم» رؤية فكرية وإنسانية تتجاوز التوثيق التقليدي، إذ يعتمد على الملاحظة العميقة، والشهادة المباشرة، والإنصات للأصوات المختلفة دون انحياز أو تضخيم. ويقدّم العمل صورة بانورامية للحدث من زاوية إنسانية، تحترم حساسية المكان وقدسية التجربة، وتبتعد عن الخطاب التحريضي أو الاستقطابي.
في هذا الفيلم، يواصل مهند الطيب نهجه المعروف في الجمع بين الحس السينمائي والالتزام الأخلاقي، واضعًا الكاميرا في موقع الشاهد لا القاضي، ومؤمنًا بأن الوثائقي الحقيقي هو الذي يطرح الأسئلة أكثر مما يقدّم إجابات جاهزة. ويأتي «قلب العالم» امتدادًا لسلسلة أعماله التي سعت دائمًا إلى توثيق اللحظات المفصلية في تاريخ العراق والمنطقة، من خلال مقاربة فنية تحترم الإنسان أولًا.
تجربة الحنانة، كما يصفها الطيب، لم تكن سهلة، لكنها كانت ضرورية؛ لأنها أعادت التأكيد على دور الفن والإعلام المسؤول في زمن الأزمات، وعلى أهمية أن يكون صانع الصورة قريبًا من نبض الشارع دون أن يفقد بوصلته المهنية والإنسانية.
بهذا العمل، يثبت مهند الطيب مجددًا حضوره كأحد الأسماء التي تشتغل بهدوء وعمق، بعيدًا عن الضجيج، ساعيًا إلى صناعة محتوى توثيقي يضيف إلى الذاكرة العربية، ويعكس صورة صادقة عن الإنسان في قلب العالم







