هل يحل الذكاء الاصطناعي محل المحامين والقضاة؟ بقلم د. أميرة فاروق الأنصاري
على مدار السنوات الماضية، تزايدت المحاولات لدمج الذكاء الاصطناعي في المجال القانوني، بل والسعي لتحويله إلى بديل فعلي للمحامين. شركات كبرى دخلت السباق من أجل تطوير أنظمة ذكية يمكنها تقديم الاستشارات القانونية، وحتى الترافع أمام المحاكم، وهو ما يدفع البعض لتخيل مشهد مستقبلي تكون فيه قاعة المحكمة مجرد تطبيق على الهاتف، والقاضي عبارة عن برمجية تصدر الأحكام بلا أي تدخل بشري.
صحيح أن هذا التصور يبدو طموحًا ومبهرًا من الناحية التقنية، لكنه في الوقت ذاته يختزل مهنة المحاماة ويُفرغها من مضمونها الإنساني. فالمرافعة ليست مجرد سرد قانوني، بل فن يعتمد على التحليل، والإقناع، والتفاعل مع القاضي وهيئة المحكمة، وكلها أمور يصعب أن تُترجم إلى أكواد برمجية أو خوارزميات.
نعم، هناك منصات إلكترونية تقدم استشارات قانونية مدعومة بالذكاء الاصطناعي، وتقوم بتحليل لغة المستخدم وتقديم الردود القانونية المناسبة، لكنها في النهاية تظل محدودة بمقدار البيانات التي تم تدريبها عليها، ولا تستطيع الخروج عن النص أو التعامل مع الحالات الاستثنائية التي تحتاج إلى اجتهاد قانوني أو تأويل تشريعي.
وعلى الرغم من أن بعض التجارب العالمية أثبتت أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يلعب دورًا مساعدًا في بعض الإجراءات، فإنها لم تصل بعد إلى مرحلة الاعتماد الكامل عليه. فمثلًا:
في إستونيا، تم تطوير روبوت قاضٍ لتقييم القضايا الصغيرة مثل نزاعات المستهلكين.
وفي كندا، ظهر روبوت “وسيط” لحل النزاعات البسيطة إلكترونيًا.
أما في ماليزيا، فتم استخدام الذكاء الاصطناعي في بعض جوانب التحكيم.
وفي الصين، بدأت محكمة الإنترنت في استخدام الذكاء الاصطناعي للمساعدة في الإجراءات الروتينية مثل رفع الدعاوى ومعالجتها.
لكن رغم هذه الخطوات، فإن جميع هذه الأنظمة لا تصدر أحكامًا نهائية ولا تملك السلطة القضائية الكاملة، بل تظل أدوات مساعدة في سياقات معينة وضمن نطاقات ضيقة.
ومن الناحية العملية، أعلنت بعض الشركات القانونية الكبرى مثل Baker & Hostetler عن استخدام أدوات ذكاء اصطناعي مثل “ROSS” المبني على منصة Watson من IBM، لتوفير الوقت والجهد في البحث القانوني، وليس لاستبدال المحامين. وكذلك طورت JPMorgan نظامًا لتحليل الصفقات المعقدة في ثوانٍ معدودة، وهو دور منطقي ومناسب للآلة، لكنه لا يمثل الدور الحقيقي للمحامي أو القاضي.
الخلاصة أن الذكاء الاصطناعي يمكنه أن يختصر الوقت، ويزيد من كفاءة العمل القانوني، لكنه لا يمكن أن يحل محل الفهم الإنساني العميق الذي يتطلبه العمل القانوني والقضائي. فالقانون ليس مجرد نصوص جامدة، بل تفاعلات بشرية، وتقديرات شخصية، وسياقات اجتماعية وثقافية لا يمكن للآلة أن تُحيط بها بالكامل.
ولهذا فإن الحل الأمثل ليس في انتظار أن يستولي الذكاء الاصطناعي على المهنة، بل في أن يستوعبه المحامون ويستخدموه كأداة مساعدة تُحسّن من جودة عملهم، وتمنحهم وقتًا أكبر للتفرغ لما لا تستطيع الآلة فعله: الفهم، التحليل، والعدالة.
بقلم : أميرة الأنصاري