مشاهير

وجع الروح ليس كأي وجع .. إنه أنينٌ لا يُسمع ، ودموعٌ لا تُرى ، وصرخةٌ محبوسة في حنجرة الكبرياء

بقلم الكاتب الصحفى : أيمن شاكر
رئيس قسم الأدب ✍🏻

هناك أشياء لا تقال، لا لأنها سرٌّ، بل لأن الكلمات تعجز عن حمل ثقلها. شيءٌ ما عالق في منتصف الروح، لا يصلح له الكلام ولا يكفيه البكاء. إنه وجعٌ لا شكل له، لا لون ولا صوت، لكنه يملأ الفراغات بين الأنفاس، يخترق الذكريات، ويجعل من كل لحظةٍ تمرُّ عبئًا ثقيلًا. نحمله في صمت، لأننا إن تحدثنا، لن يفهم أحدٌ كم يؤلمنا أن نعيش بأرواحٍ ممزقة بين ما كنا نتمناه وما أصبحنا عليه.

الأيام القادمة.. كم ننظر إليها بخوفٍ مختلطٍ بأملٍ ضئيل! نتمنى أن تمرَّ بسلام، لكن قلوبنا منهكة، مثقلة بتراكمات السنين. كل خيبة أمل، كل غدر، كل حلمٍ تحطم على صخور الواقع، ترك جرحًا لا يندمل. لقد أرهقتنا الحظوظ، وأتعبتنا تلك التراكمات التي حولت حياتنا إلى ساحة حربٍ مع الذكريات. سفينة الودِّ التي كنا نبحر بها غرقت في بحرٍ من الوجع، ولم يتبقَّ سوى أرواحنا تتأرجح بين الألم والصمود.

وجع الروح ليس كأي وجع.. إنه أنينٌ لا يُسمع، دموعٌ لا تُرى، صرخةٌ محبوسة في حنجرة الكبرياء. هو ذلك الشعور عندما تضحك بوجهك بينما قلبك يبكي، عندما تبتسم للعالم وكأن كل شيءٍ على ما يرام، بينما داخلك انهيارٌ لا يُحصى. كم هو صعبٌ أن تعيش بقلبٍ ينزف وأنت تمسك دمعه بين جفنيك، خوفًا من أن يكتشف أحدٌ ضعفك! كم هو مؤلمٌ أن تشعر بأنك وحيدٌ في زحام الناس، وأن كل من حولك يعيشون حياتهم بينما أنت عالقٌ في دوامة المشاعر التي لا تفهمها حتى أنت!

الضحكة بلا فرح.. ما أقساها! كأنها قناعٌ تختبئ خلفه من العالم، كأنها محاولةٌ يائسة لإقناع نفسك بأنك بخير. لكن الحقيقة أن الضحكة أحيانًا تكون مجرد ستارٍ لحزنٍ لا يُعبر عنه. والبكاء بلا دموعٍ أشدُّ قسوة، لأنه بكاءٌ لا يجد منفذًا، يظل محبوسًا في الصدر، يخنقك كل ليلةٍ عندما تخلد إلى فراشك وتواجه نفسك دون أقنعة.

وما أصعب ذلك الاختلاط الغريب بين ألم الخيبة ومرارة الخذلان! عندما تثق بالحياة فتخذلك، عندما تفتح قلبك للآخرين فيجرحونه، عندما تضع كل أحلامك في مسارٍ معينٍ فتفاجأ بأن القدر سخر منك وغيَّر الطريق. تصبح الروح كورقة خريفٍ جافة، تنتظر نسمةً واحدةً لتسقط، لكنها تظل معلقةً بين السماء والأرض، لا هي حيةٌ ولا هي ميتة، فقط تعاني من انتظارٍ لا نهاية له.

في النهاية .. نبقى نحاول. نحاول أن نتنفس رغم ثقل الأيام، نحاول أن نبتسم رغم الألم، نحاول أن نجد معنىً لكل هذا العبث. لكن الروح تظل تحمل ذلك الشيء العالق في منتصفها، ذلك السر الذي لا يعرفه أحد، ذلك الوجع الذي لا دواء له. ربما لأن بعض الجروح لا تلتئم، بل نتعلم فقط كيف نعيش معها، كيف نحملها في صمت، وكيف نضحك رغم أن كل شيءٍ فينا يبكي.

فإن لم تستطع الأيام أن تكون رحيمةً بنا، فلنكن نحن الرحمة بأنفسنا.. ولنعلم أن كل قلبٍ ينزف هو قلبٌ ما زال ينبض، وما دام هناك نبض، فهناك أمل.. ولو كان مجرد شمعةٍ في ظلام الليل .

سنلتقى إن كان فى العمر بقيه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى