أخبار العالمرياضةصحةفنمشاهير

إدارة الأصول مقابل إدارة المرافق: سد الفجوة الاستراتيجية بين القرار والتطبيق

إدارة الأصول مقابل إدارة المرافق: سد الفجوة الاستراتيجية بين القرار والتطبيق

كامل المعداوي خبير معتمد في إدارة الأصول والمرافق(CFM, ISO 55001 Lead Auditor) مستشار استراتيجي في تحويل عمليات المرافق لخلق قيمة مستدامه

في عالم الأعمال المتسارع، حيث يكون كل استثمارٍ تحت المجهر، وكل قرارٍ محط مساءلة، لم تعد قيمة المؤسسات تُقاس بما تمتلكه من أصول مادية فحسب، بل بكيفية إدارتها لتلك الأصول لاستخلاص أقصى قيمتها طوال دورة حياتها. من خلال خبرتي الممتدة لأكثر من عقدين في قيادة تحولات مؤسسية ناجحة، أرى أن التحدي الأكبر الذي يواجه القادة اليوم ليس في نقص الموارد، بل في الفجوة السحيقة بين ما يُخطط له في قاعات الاجتماعات المغلقة، وما يُنفذ على أرض الواقع في المنشآت والمرافق. هذه الهوة هي حيث تتبلور المعركة الحقيقية بين “إدارة الأصول” (Asset Management – AM) كفن التخطيط الاستراتيجي، و”إدارة المرافق” (Facility Management – FM) كعلم التنفيذ التكتيكي.

الفصل الأول: ثنائية الرؤية والممارسة – تشريح العلاقة التكاملية من منظور الخبرة

ليس التمايز بين إدارة الأصول وإدارة المرافق تمايزاً هرمياً، بل هو تمايز دوري تكاملي، أشبه ما يكون بالعلاقة بين العقل والجسد في الكائن الحي. وفي مشاريعي السابقة، كان الفهم العميق لهذه العلاقة هو حجر الأساس لأي تحول ناجح.

· إدارة الأصول (AM): عقل المؤسسة الاستراتيجي تمثل إدارة الأصول البعد الفلسفي والاستشرافي لإدارة الممتلكات. هي ليست مجرد “إدارة صيانة” بميزانية ضخمة، بل هي نظام حوكمة متكامل يُعنى بتحديد “لماذا” نمتلك هذا الأصل؟ و”ما” هي القيمة التي سيضيفها على مدى 20 أو 30 عاماً؟ و”كيف” سنمول دورة حياته؟ إنها، وبحسب المعايير العالمية مثل ISO 55000 التي قمت بتطبيقها في عدة مؤسسات، تسعى لتحقيق التوافق التام بين استثمارات الأصول والأهداف الاستراتيجية الشاملة للمؤسسة. هي من يقرر بناء مستشفى جديد في منطقة ناشئة، أو استبدال أسطول من المركبات، بناءً على تحليل دقيق للمخاطر، والتكلفة، والعائد على الاستثمار (ROI).

· إدارة المرافق (FM): جسد المؤسسة التنفيذي إذا كانت إدارة الأصول تجيب على سؤال “لماذا”، فإن إدارة المرافق هي التي تجيب على سؤال “كيف”. وهي التخصص الذي أرى أنه الأكثر إهمالاً على الرغم من أهميته القصوى. إنه الذراع التنفيذي الذي يترجم الخطط الاستراتيجية إلى خدمات ملموسة، وعمليات يومية، وبيئات عمل منتجة وآمنة. مهمتها ضمان أن يعمل “جسد” المنظمة – من مبانٍ، وبنية تحتية، وأنظمة – في ذروة كفاءته. معايير مثل ISO 41000 التي أوصي بها دوماً تُؤطّر هذا العمل لضمان الاتساق والجودة

الفصل الثاني: جذور الفجوة.. تشخيص الداء من واقع الميدان

المشكلة التي عاصرتها في كثير من المؤسسات – خاصةً الحكومية والكبيرة منها – ليست في غياب الاستراتيجية أو ضعف التنفيذ بحد ذاته، بل في انقطاع الخيط الرابط بينهما. تتجلى مظاهر هذه الفجوة في:

1. حوار الطرشان: حيث تتحدث فرق إدارة الأصول لغة “الميزانيات الرأسمالية”، و”معدلات الخصك”، بينما تتحدث فرق إدارة المرافق لغة “قطع الغيار”، و”أوامر الشغل”. كل فريق يعمل في صومعته، مما يؤدي إلى قرارات استثمارية بعيدة عن الواقع التشغيلي.

2. ميزانيات منفصمة: يتم تخصيص ميزانية الاستثمار (CAPEX) من قبل إدارة الأصول غالباً بمعزل عن ميزانية التشغيل (OPEX). قد نقرر شراء نظام تكييف فائق التطور لتوفير الطاقة، لكن لا يتم تخصيص الميزانية الكافية لصيانته أو تدريب فريقنا عليه، فيفشل في تحقيق التوفير المتوقع.

3. غياب ثقافة القيمة الشاملة: ينصب تركيز “الأصول” على القيمة المالية طويلة الأجل، بينما يركز “المرافق” على التكلفة التشغيلية قصيرة الأجل. هذا التناقض، في غياب ثقافة مؤسسية موحدة تتبنى مفهوم “إجمالي تكلفة الملكية” (TCO)، يؤدي إلى صراعات داخلية.

الفصل الثالث: وصفة عملية للدمج: جسور العبور نحو قيمة مستدامة

سد هذه الفجوة ليس مشروعاً تقنياً فحسب، بل هو تحول استراتيجي في الثقافة والهيكلة والعمليات. من خلال منهجية “التكامل الاستراتيجي” التي أطبقها، نركز على بناء أربعة جسور رئيسية:

1. التكامل في التخطيط والموازنة (التخطيط العكسي): يجب أن تشارك إدارة المرافق بشكل فعّال في مرحلة التخطيط للأصول الجديدة. ما فائدة شراء أصل تقني معقد إذا لم تكن هناك قدرة تشغيلية عليه؟ يجب دمج مفهوم “إجمالي تكلفة الملكية” (TCO) كأساس للموازنة.

2. توحيد اللغة بالمعايير الدولية: اعتماد أطر عمل موحدة مثل ISO 55000 للأصول و ISO 41000 للمرافق يوفر لغة مشتركة ومقاييس أداء موحدة (KPIs) يفهمها الطرفان. هذه المعايير هي عصا القيادة التي ننظم بها عملية التحول.

3. الثورة الرقمية: منصة البيانات الموحدة: في تجربتي، التكنولوجيا هي العامل المحفز الأكبر. أنظمة إدارة الأصول (CMMS) وأنظمة إدارة معلومات المباني (BIM) يجب أن تكون متكاملة. البيانات من أرض الميدان يجب أن تتغذى مباشرة إلى نظام إدارة الأصول لاتخاذ قرارات أكثر ذكاءً.

4. صناعة القائد الشامل: يحتاج هذا النموذج إلى قيادات وكوادر لا تنظر إلى الأمور من زاوية واحدة. في برامجي التدريبية، أحرص على أن يزود برنامج التدريب مهندس الصيانة بفهم أساسيات التكلفة والعائد، ويمنح محلل المخاطر إدراكاً للتحديات التشغيلية.

الخاتمة: من الثنائية إلى التكامل.. رحلة نحو ذكاء organisational مؤسسي

ختاماً، لم يعد الحديث عن “إدارة الأصول” مقابل “إدارة المرافق” مقبولاً. التحدي الحقيقي هو تحويل هذه الثنائية إلى تكامل، والمواجهة إلى شراكة. المؤسسات الذكية هي التي تدرك أن إدارة الأصول بدون تنفيذ فعال هي مجرد أوهام استراتيجية على الورق، وأن إدارة المرافق بدون تخطيط استراتيجي هي مجرد إطفاء حرائق يومية.

النجاح، في النهاية، يُقاس بقدرة المؤسسة على تحويل رأس المال الثابت (الأصول) إلى قيمة ملموسة ومستدامة، وهذه المعادلة لا يمكن حلها إلا بدمج العقلية الاستشرافية مع الكفاءة التنفيذية. إنها رحلة تحول شاقة ولكنها ضرورية، حيث تذوب الفواصل، وتتوحد الرؤى، لخلق مؤسسة أكثر مرونة، كفاءة، وقدرة على المنافسة.

كامل المعداوي خبير استشاري في إدارة الأصول والمرافق| 📧للاستفسارات أو لاستشارة احترافية: راسلني عبر ملفي الشخصي على LinkedIn https://www.linkedin.com/in/كامل-المعداوي-7b2034215

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى