مشاهير

إدمان الوجود : حين يصبح الشخص جرعة حياة لا نستطيع الفطام عنها

بقلم الكاتب الصحفى أيمن شاكر
نائب رئيس قسم الأدب ✍🏻

هناك إدمان لا يعترف به أحد ، لا يُصنَّف ضمن قوائم التحذير ، ولا يُحذّر منه الأطباء . إنه إدمان الوجود ، إدمان الشخص الذي يصبح جزءًا من تفاصيلك اليومية ، ليس لأنه يمنحك السعادة دائمًا ، بل لأنه ببساطة يصبح الهواء الذي تتنفسه. لا تبحث عن وجوده لأنه ممتع ، بل لأن غيابه يُحدث فراغًا مؤلمًا ، كأن الحياة توقفت فجأة.

تبدأ القصة ببراءة ، بكلمة ، بضحكة ، بنظرة ، ثم تتحول إلى إدمان صامت . إدمان لا تعترف به حتى لنفسك ، لكنك تكتشفه حين تجد نفسك تنتظر رسالة لا تأتي ، أو تبحث عن صوت لا يسمعك ، أو تتعلق بلحظة عابرة مرت بينكما وكأنها خلّفت وراءها إكسير حياة. هنا لا تعود متعلقًا بالشخص ، بل بكل ما يصدر عنه : نبرة صوته ، طريقة كلامه ، غضبه ، صمته ، ضعفه ، قوته .
كل شيء فيه يصبح مادة للإدمان ، وكأنك تتعاطى منه جرعات صغيرة من الحياة كل يوم.

الأمر لا يتعلق بالحب دائمًا ، بل بالحاجة إلى وجوده كمرجعية روحية . هو الرفيق الذي يُشعرك أنك لست وحيدًا حتى لو كان بعيدًا ، أن العالم ما زال مكانًا يمكن تحمله طالما هو موجود فيه. قد تغضب منه ، قد تؤذيه ، قد تبكي من أجله ، لكنك لا تستطيع الاستغناء عن تلك اللحظات التي تشعر فيها بأنك حيٌّ فقط لأنه يتنفس في نفس العالم الذي تتنفس فيه.

وأخطر ما في هذا الإدمان أنه لا يُدرك إلا عند فقدانه. فجأة ، تكتشف أنك لم تكن مدمنًا على الشخص ، بل على الشعور الذي كان يمنحك إياه. الإحساس بأنك مهم ، بأنك مرئي ، بأنك موجود في عينيه. وعندما يختفي ، تشعر أن العالم فقد ألوانه ، وأن الأيام أصبحت طويلة بلا معنى ، وكأنك فُصلت فجأة من مصدر الطاقة الذي كان يبقيك على قيد الحياة.

لكن ماذا لو كان هذا الإدمان هو مجرد وهم ؟ مجرد حكاية رويناها لأنفسنا لنسدّ بها فراغًا ما بداخلنا ، ماذا لو كنا نخلق من الشخص قارب نجاة ، بينما هو في الحقيقة إنسان عادي لا يملك إلا قلبه المرهق مثلنا ؟

في النهاية ، قد نكتشف أننا لم نكن مدمنين على الشخص ، بل على الأمل الذي مثّله لنا. الأمل في أننا لسنا وحيدين ، الأمل في أن هناك من يسمعنا ، يرى جراحنا ، يلمس روحنا دون كلام. وعندما يرحل ، ندرك أن الإدمان كان مجرد محاولة يائسة لإنقاذ أنفسنا من برودة العالم.

وأخيراً
ربما لن نتعافى أبدًا من بعض الأشخاص ، ليس لأنهم مميزون ، بل لأننا جعلناهم كذلك. جعلناهم دواءنا ، سكاتنا ، قصتنا التي لا نريد لها نهاية . لكن الفرق بين الحب والإدمان أن الحب يحررك ، بينما الإدمان يسجنك في ذكريات لن تعود أبدًا كما كانت .

فكن حذرًا ، فلا تشرب من نفسك كأس العطش ، ولا تجعل من شخصٍ ما سجنك الوحيد . فبعض القلوب تُدفن وهي ما تزال تنبض .

سنلتقى إن كان فى العمر بقيه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى