الكاتب الصحفى أيمن شاكر يكتب : فليكن همّك أن تترك وراءك أثرًا يُحكى ، لا مالًا يُعدّ ..
رحلة العقل والقلب من الظلمات إلى النور

بقلم الكاتب الصحفى أيمن شاكر
نائب رئيس قسم الأدب ✍🏻
في زحمة الحياة ، حيث تلمع أموال الدنيا وتتلاطم شهواتها ، ويظنّ الكثيرون أن السعادة حصادٌ لجني الذهب ، أو تكديسٍ للممتلكات ، لكن الحكمة الخالدة تُذكّرنا بأن كل ما في الأرض لو أنفقته لن يغنيك ، حتى تدرك أن النفع الحقيقي لا ينبعث من خزائن المال ، بل من نور يُشعله العقل في رأسك ، ودفءٌ يغمر القلب من أعماقه.
هنا تكمن المفارقة العظيمة : فالإنسان يسعى لامتلاك العالم ، بينما كنوزه الحقيقية مخبأة في فكره وإيمانه ، فالعلم كتابٌ جامعٌ للحقائق ، والعقل دليلٌ يهدي إلى الطريق ، والتقوى قائدٌ يصوغ المسيرة بأكملها.
العلم هو البذرة الأولى في رحلة الوجود ، فهو ليس مجرد كلماتٍ تُحفظ ، بل كتابٌ مفتوح على أسرار الوجود ، يروي حكايات من سبقونا ، ويكشف قوانين الطبيعة ، ويسبر أغوار النفس البشرية .
لكن إمتلاك هذا الكتاب لا يعني شيئًا إن ظل مغلقًا على رفّ الذاكرة ، فالعلم الحقيقي هو ما تحوّل إلى حركة في العقل ، يبدأ بالتساؤل ، والتحليل ، والنقد ، كشجرة تمتد جذورها في تربة الشكّ لتثمر يقينًا .
هنا يأتي دور العقل كدليلٍ أمين ، يحوّل المعلومات المجردة إلى حكمة عملية ، فيوازن بين الثوابت والمتغيرات ، ويميّز بين الحق والباطل ، ويرسم خريطة الطريق وسط تعقيدات الحياة.
لكن أيّ رحلةٍ تخلو من بوصلة الأخلاق تصير ضربًا من العبث ، وهنا تظهر التقوى كقائدٍ أعظم ، لا كخوفٍ من عقاب ، بل كوعيٍ بقدسية المسؤولية.
إنها الضمير الذي يهمس في الليل :
” إياك أن تبيع حقيقتك لقاء متاع زائل ” ، وهي النور الذي يمنع العقلَ من التحوّل إلى آلةٍ باردة ، والقلبَ من الانجراف وراء العواطف العابرة. فالتقوى تصهر العلم والعقل في بوتقة واحدة ، ليكون العلم خادمًا للإنسان ، لا أداةً للهدم ، ويكون العقل جسرًا إلى الخير ، لا سيفًا يُذبح به الضعفاء.
وفي النهاية … لا تُقاس الحياة بكمّ ما جمعت ، بل بما أخرجته من رأسك من أفكارٍ حرّرت البشر ، وما غرسته في قلبك من قيمٍ أضاءت دربك ودروب الآخرين .
فليكن همّك أن تترك وراءك أثرًا يُحكى ، لا مالًا يُعدّ ، واعلم أن ساعةً واحدةً من التأمل النيّر ، أو كلمةً صادقةً تُخرجها من أعماق روحك ، قد تُغيّر مصيرًا ، أو تُحيي أمةً .
هكذا تتحول الحياة من مطاردة السراب إلى رحلةٍ مقدسة ، حيث العلم مرشدٌ ، والعقل رفيقٌ ، والتقوى جوازُ المرور إلى الخلود .
فانظر إلى السماء كلما ضاقت بك الأرض ، وتذكّر أنك تحمل في داخلك كنوزًا لا تقدر عليها الدنيا بأسرها … كنوزًا لا تُرى ، لكنها تُخلّد .
سنلتقى إن كان فى العمر بقيه