تباين الأدوار البرلمانية: فهم رسالة عضو مجلس النواب.
متى نفهم الدور الحقيقي للنائب؟ التشريع أولًا وليس الخدمات

بقلم الكاتب المستشار علاء ابو الحجاج.
مستشار التحكيم الدولي وعضو لجنة فض النزاع بين الشركات.
مغالطة شيوع المفهوم الخدمي
يُشيع بين العامة مفهوم مغلوط حول الدور الأساسي لمرشحي وممثلي الشعب في المجالس النيابية، خاصة مجلس النواب.
إذ يُنظر إلى عضو هذا المجلس على أنه مُكلف بشكل أساسي بالمهام الخدمية والتنفيذية المباشرة، كبناء المساجد، أو تشييد المستشفيات والجسور، أو تلبية الاحتياجات المحلية الفردية.
هذا التفكير يمثل خلطًا بين أدوار السلطة التشريعية ومهام السلطة التنفيذية والمحلية.
الدور الأصيل والأساسي لعضو مجلس النواب
إن دور عضو مجلس النواب هو في جوهره دور تشريعي وسياسي ورقابي، وينحصر في الوظائف الدستورية التالية:
التشريع (الوظيفة الأم):
– يختص عضو مجلس النواب بـ اقتراح القوانين، ومناقشتها، وإقرارها أو تعديلها بما يخدم الصالح العام للدولة، ويشمل ذلك إقرار الموازنة العامة للدولة ومراجعة خططها المالية.
الرقابة:
– ممارسة الرقابة الفعالة على أداء الحكومة والوزارات، من خلال أدوات كـ الاستجوابات، وطلبات الإحاطة، وتشكيل لجان تقصي الحقائق لضمان حسن تطبيق القانون.
الدور السياسي:
– المشاركة في القرارات السيادية للبلاد، والموافقة على خطط وبرامج عمل الحكومة، وإقرار المعاهدات والاتفاقيات الدولية.
عبء الفراغ المؤسسي وزيادة المسؤولية
يُعزى تضخم المهام الخدمية على عاتق عضو مجلس النواب إلى غياب أو ضعف دور المؤسسات الموازية والمكملة التي يُفترض بها تولي المهام المحلية والتنموية المباشرة.
مجلس الشيوخ:
– في النظم الثنائية، يتولى مجلس الشيوخ عادةً دورًا مكملاً في دراسة التشريعات الكبرى أو تمثيل شرائح مجتمعية/إقليمية محددة.
المجالس المحلية (مجالس المحافظات والمدن):
– هي الأداة الدستورية والتنفيذية التي يجب أن تتولى مسؤولية متابعة وتنفيذ الخدمات المحلية المباشرة (البنية التحتية، المرافق، الخدمات اليومية).
في ظل غياب أو تعطيل هذه المجالس المحلية، يتحول عضو مجلس النواب ليصبح القناة الوحيدة المنتخبة التي يلجأ إليها المواطن لمطالبه الخدمية، مما يشتت جهده ووقته عن مهمته الأصلية في التشريع وصناعة القرار الوطني.
الخلاصة:
– يتطلب إصلاح العملية النيابية تصحيحًا لفهم الناخب لدور ممثله، والعمل على تفعيل كافة مستويات الحكم المحلي لرفع العبء الخدمي عن كاهل السلطة التشريعية المركزية.
تصحيح الفهم الدستوري:
– الفصل بين الدور التشريعي والخدمي لعضو مجلس النواب
المغالطة الشائعة في التقييم
تُعدّ النظرة السائدة لدور عضو مجلس النواب على أنه منفّذ للخدمات المحلية وموفّر للوظائف مغالطةً بنيويةً تعكس خلطاً في فهم طبيعة السلطات الدستورية، حيث يُوجّه الناخبون اللوم والمساءلة إلى النائب بعبارات من قبيل:
“ماذا أنجزت في قضايا القمامة ورصف الطرق؟”
“لماذا لم تُوظّف الأفراد من أبناء الدائرة؟”
“ما هي الخدمات المباشرة التي قدّمتها للمدينة والقرية؟”
هذه التساؤلات تضعه في خانة المسؤول التنفيذي المحلي، وهو ما يتنافى مع رسالته الدستورية.
الدور الأصيل للنائب:
– التمثيل الوطني وصناعة القانون
إن عضوية مجلس النواب هي تمثيل للأمة بأسرها، وليست وكالة محدودة تقتصر على نطاق الدائرة الانتخابية. ودور النائب أساساً دور تشريعي وسياسي ورقابي، يتمثل في:
صناعة التشريع:
– سنّ وتعديل القوانين التي تنظّم حياة الدولة بأكملها، وإقرار الموازنة العامة.
الرقابة على السلطة التنفيذية:
– مساءلة الحكومة والوزراء حول تطبيق السياسات العامة وتحقيق الصالح الوطني.
المشاركة السياسية:
– اتخاذ القرارات الكبرى والموافقة على خطط وبرامج عمل الدولة.
إن الحكم على أداء النائب يجب أن ينصبّ على مدى مساهمته في هذه المهام العليا، وليس على قدرته على حل مشكلات فردية أو خدمية محدودة.
الخلل المؤسسي وغياب اللامركزية.
يُعزى هذا العبء الخدمي غير المبرر على كاهل النائب إلى فراغ مؤسسي ناتج عن ضعف أو غياب الهيكل الإداري والسياسي المكلف بهذه المهام، وهي:
السلطة التنفيذية المحلية:
– وهي الأجهزة الحكومية المعنية مباشرةً بتنفيذ الخدمات اليومية (المحافظات، ورئاسات المدن والأحياء).
المجالس الشعبية المحلية (مجالس المدن والمحافظات):
– وهي الكيان المنتخَب الذي يُفترض به رقابة ومساءلة الأجهزة التنفيذية المحلية، ومناقشة الخطط والميزانيات المحلية، وتمثيل المواطنين في المطالب الخدمية المباشرة.
التقصير الحقيقي يكمن في عدم تفعيل دور هذه المجالس المحلية، مما يدفع المواطن إلى اعتبار النائب البرلماني الملاذ الأخير لرفع شكواه الخدمية.
فإن قرار الناخب واختياره يجب أن يُبنى على أسس وطنية سليمة:
“يجب أن ننظر أولاً إلى ما قدّمه النائب في البرلمان من تشريع ورقابة وطنية، وليس ما وفّره من خدمات محدودة.”
إن تفعيل دور اللامركزية الإدارية والمجالس المحلية هو الضامن لرفع العبء عن كاهل مجلس النواب، وتمكينه من التفرغ لمهمته الأساسية كشريك في رسم مستقبل الدولة.













