تقرير: المتحف المصري الكبير — أيقونة الحضارة وجوهرة السياحة الثقافية في مصر

إعداد: الصحفي توفيق كرم والصحفية مريم زكريا


في مشهد يجسد عظمة التاريخ المصري وعبقرية الحاضر، يفتح المتحف المصري الكبير أبوابه كأكبر متحف أثري في العالم مخصص لحضارة واحدة، على مقربة من أهرامات الجيزة، ليصبح منارة جديدة للثقافة والتراث الإنساني، وشاهداً على رؤية مصر المستقبلية في صون تراثها الحضاري وتقديمه للأجيال القادمة.

أولاً: خلفية المشروع ونشأته
تعود فكرة إنشاء المتحف المصري الكبير إلى أوائل التسعينيات، عندما طرحت وزارة السياحة والآثار فكرة إقامة متحف عالمي يليق بمكانة الحضارة المصرية، ويستوعب الكمّ الهائل من الآثار التي لم تكن تجد موضعاً للعرض في المتحف المصري بالتحرير.
تم اختيار موقع المتحف بعناية ليطل على هضبة الأهرامات، في منطقة الجيزة، حيث بدأت أعمال الإنشاء الفعلية عام 2005، بدعم وتمويل محلي ودولي، ليصبح اليوم من أضخم المشروعات الثقافية في القرن الحادي والعشرين.
ثانياً: التصميم المعماري والبنية التحتية
جاء تصميم المتحف من إبداع مكتب هندسي عالمي فاز في مسابقة دولية شارك فيها مئات المعماريين.
ويمتزج الطراز المعماري للمتحف بين الرمزية الفرعونية والتقنيات الحديثة، حيث تتزين واجهته الضخمة بزوايا مثلثية تعكس طابع الأهرامات، فيما تمتد القاعات الداخلية بمساحات شاسعة تغمرها الإضاءة الطبيعية.
ويستقبل الزائر من المدخل الرئيسي تمثال الملك رمسيس الثاني، الذي نُقل خصيصاً من ميدان رمسيس ليكون رمزاً ترحيبياً في “البهو العظيم” (Grand Atrium).
كما يضم المتحف مركزاً متقدماً للترميم، ومعامل علمية مزودة بأحدث الأجهزة لحفظ وصيانة الآثار، إلى جانب مساحات تعليمية، ومناطق خدمية وسياحية، وحدائق مفتوحة على مشهد الأهرامات.
ثالثاً: المحتوى والمعروضات
يضم المتحف المصري الكبير أكثر من 100 ألف قطعة أثرية من مختلف العصور المصرية القديمة.
ومن أبرز مقتنياته:
مجموعة الملك توت عنخ آمون الكاملة، التي تُعرض للمرة الأولى مجتمعة في قاعات مجهزة بأحدث أنظمة العرض.
سفن الشمس الخاصة بالملك خوفو بعد نقلها وترميمها بعناية.
مجموعة ضخمة من التماثيل، المومياوات، النقوش، والمجوهرات الملكية.
وتُعرض المقتنيات بأسلوب علمي حديث يجمع بين التسلسل الزمني والموضوعي، بحيث يعيش الزائر تجربة سرد متكاملة عن تطور الدولة المصرية من عصور ما قبل التاريخ حتى العصور اليونانية-الرومانية.
رابعاً: الأهداف والأهمية الوطنية والدولية
يُعد المتحف المصري الكبير ركيزة استراتيجية لمستقبل السياحة الثقافية في مصر، حيث يعزز من موقع القاهرة والجيزة كوجهة عالمية للسياح والباحثين والمهتمين بالتاريخ الإنساني.
ويهدف المشروع إلى:
تقديم تجربة متحفية متكاملة بتقنيات تفاعلية حديثة.
الحفاظ على التراث المصري ضمن بيئة علمية متطورة.
دعم الاقتصاد الوطني من خلال تنشيط السياحة.
خلق فرص عمل جديدة في مجالات الثقافة، الحرف، والخدمات السياحية.
ويرى الخبراء أن المتحف سيمثل جسرًا حضاريًا بين مصر والعالم، ومركزًا بحثيًا وثقافيًا يربط الماضي بالحاضر.
خامساً: التحديات التي واجهت المشروع
رغم عظمة الفكرة وضخامة التنفيذ، واجه المشروع سلسلة من التحديات تمثلت في:
الأزمات الاقتصادية وتقلبات التمويل.
الظروف السياسية في المنطقة خلال العقد الماضي.
تحديات النقل والترميم لآلاف القطع الأثرية الدقيقة.
جائحة كورونا التي تسببت في تأجيل الافتتاح أكثر من مرة.
ومع ذلك، نجحت الدولة المصرية في تجاوز تلك العقبات، ليخرج المشروع إلى النور في أبهى صورة.
سادساً: تجربة الزائر
تبدأ رحلة الزائر من بهو رمسيس الثاني، مروراً بـ“السلم العظيم” الذي تصطف على جانبيه عشرات التماثيل الملكية الضخمة، وصولاً إلى القاعات المطلة على الأهرامات.
يعيش الزائر تجربة بصرية مدهشة تجمع بين عظمة التاريخ وجمال العمارة، مع خدمات متكاملة تشمل الإرشاد الصوتي والمرئي، والمرافق الحديثة للراحة والتسوق والترفيه.
خاتمة
يمثل المتحف المصري الكبير إنجازاً قومياً فريداً يضاف إلى سجل مصر الحضاري، ورسالة سلام وثقافة موجهة إلى العالم.
فهو ليس مجرد متحف، بل مشروع وطني يعيد إحياء التاريخ، ويفتح الباب أمام المستقبل بثقة، ليؤكد أن مصر لا تزال — كما كانت دائماً — مهد الحضارات ومنارة الإبداع الإنساني.









