مشاهير

أيمن شاكر يكتب : الحب ليسَ دواءاً سحرياً للآلام .. ولكنه أشبهُ ببوصلةٍ تُريكَ الاتجاهَ ، لكنّها لا تمنعُ العواصف

بقلم الكاتب الصحفى أيمن شاكر
نائب رئيس قسم الأدب ✍🏻

الحياةُ تفاصيلٌ صغيرةٌ تكتسبُ معناها ممن يمنحها روحاً ، حين يكون الحب قريباً ، يتحوّل العالم إلى نسيجٍ من الهمسات :
أصواتٌ صاخبةٌ تهدأ ، ظلالٌ ثقيلةٌ تذوب ، وهواءٌ يكتبُ على جلدك قصيدةً بلا كلمات . هنا ، حتى الأشياءُ العابرةُ تُحدّثك بلغة القلب ، حيثُ لا تحتاجُ إلى مفرداتٍ لتفهمَ أنَّ الكونَ ألقى بثقلهِ جانباً ليُفسحَ مجالاً للرقة.

هل مررتَ بلحظةٍ تشعرُ فيها أنَّ الزمنَ يتنفّسُ ببطءٍ حين يكون الحبيبُ قريباً ؟ كأنّ اللحظةَ تريدُ أن تحفظَ كلَّ شيء : نظرةً تسبقُ الكلام ، ضحكةً تسبقُ الدموع ، وصمتاً يحملُ في طيّاتهِ حكاياتٍ لا تنتهي .
في حضرةِ الحب ، تتنفّسُ الأشياءُ الجامدةُ حياةً جديدة : شجرةٌ عاديةٌ تُلوّحُ بأغصانها كصديقٍ قديم ، وقهوةٌ تدفأُ بين يديكَ كأنّها تعرفُ طريقها إلى روحك . كلُّ تفصيلٍ يكتسِبُ عمقاً ، كأنّ الحبَّ عدسةٌ تُظهرُ جمالاً كنتَ تمرُّ عليهِ كلَّ يومٍ دون أن تراه.

الألمُ يصيرُ أخفَّ حين نُشاركُ حمله ، والفرحُ يمتلئُ دفئاً حين نُقسِمُهُ ، في وجودِ مَن تُحب ، حتى الأحمالُ الثقيلةُ تُصبحُ ريشةً تحملُكَ إلى حيثُ لا تشعرُ بالوحدة . كأنّكَ تكتشفُ أنَّ الحياةَ ليستْ معركةً نخوضها وحدنا ، بل رقصةٌ نتعثّرُ فيها معاً ، ثم نضحكُ كالأطفال . تلك الرقصةُ التي تُذكّرنا أننا لسنا غرباءَ في هذا الكون ، بل شراراتٌ صغيرةٌ تجتمعُ فتُضيء.

الأيامُ بجوار الحبيبِ أقصرُ ليس لأنّ الوقتَ يسرقها ، بل لأنّ اللحظاتَ تكتظُّ بالحياةِ حتى تشعرُ أنَّ اليومَ عامٌ كامل . كلُّ شيءٍ يتحوّلُ إلى ذكرى قبلَ أن يمر : كوبُ ماءٍ تشاركُه ، نظرةٌ عابرةٌ في زحامِ الشارع ، ضحكةٌ تطفئُ همومَ الأمس. هنا ، حتى التفاهاتُ تُصبحُ مقدّسة ، لأنّ الحبَّ يمنحُ الأشياءَ هالةً تجعلُها تستحقُّ الحفظ في متحفِ الذاكرة.

فالحبُّ لا يمحو الصعوبات ، لكنّه يعلّمُك أن تحملها كرسالةٍ لا كعبء . هو بوصلةٌ تُريكَ الاتجاهَ دون أن تمنعُ العواصف .
فمعه ، تتعلمُ أن ترقصُ تحتَ المطرِ بدلَ أن تلعنَ السحبَ ، وأن ترى في الألمِ بذرةً لفرحٍ قادم . القوةُ هنا ليستْ في القسوةِ ، بل في أن تكونَ نديّاً كندى الصباح ، قادراً على تحويلِ الجفافِ إلى حديقة.

اليوم ، وأنا أرى ذكرياتي كشريطٍ سينمائي ، أعرفُ أنَّ أجملَ اللحظاتِ هي تلك التي حوّلها الحبُّ إلى شعر . لحظةٌ تُمسكُ فيها يدٌ بيدك ، فتشعرُ أنَّ الكونَ كلَّه اختزلَ في نبضةٍ واحدة ، وأنّك لستَ بحاجةٍ لأكثرَ من هذا .
هنا ، حيثُ يصيرُ كلُّ شيءٍ حولك أحنَّ ، أخفَّ ، وألطفَ ، تدركُ أنَّ الحياةَ لم تكُن يوماً إلّا قصيدةَ حبٍ نكتبها بأنفاسنا ، كلمةً كلمة ، حتى نصلَ إلى السطرِ الأخير … حيثُ ينتظرنا سؤالٌ واحد :

ليتَ العالمَ كلَّه يصيرُ بجوارك ، ليتَ القلبَ يجدُ ملاذَه في قلبٍ آخرَ يخبئُ لهُ نفسَ الأسرار ، وليتَ كلَّ من يقرأُ هذه الكلماتَ يجدُ في عالَمه مَن يجعلُ الزمنَ يهمسُ بدلَ أن يصرخ ، وكلَّ شيءٍ يغفو على صوتِ قلبين … يُكمِلانِ معاً ما بدأهُ الكونُ منذُ الأزل .

سنلتقى إن كان فى العمر بقيه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى