Uncategorized

عندما عصى ابليس ربه لم يكن هناك شيطاناً ، فمن الذى وسوس له ؟ ولو كانت النفس الأماره بالسوء ، فلماذا توسوس للإنسان بالمعصيه وهى من ستُعذب فى النار ؟

Oplus_131072

بقلم الكاتب الصحفى : أيمن شاكر
رئيس قسم الأدب ومتخصص فى التنمية البشرية وتطوير الذات

النفسُ هي ذلك الكائنُ الخفيُّ الذي يسكنُ أعماقَ الإنسان ، يَدفعُه تارةً نحوَ المرتفعاتِ الإيمانيةِ ، ويجرُّه تارةً أخرى إلى حضيضِ الشهواتِ والغوايةِ ، إنها ميدانُ المعركةِ الذي لا يهدأ بينَ نورِ الإيمانِ وظلامِ الهوى ، بينَ صوتِ الضميرِ وهمسِ الشيطانِ ، لقد خلقَ اللهُ النفسَ بتلكَ التركيبةِ المُعقدةِ ليكونَ الإنسانُ في اختبارٍ دائمٍ ، فلو كانتْ مُسَخَّرةً للخيرِ دونَ نزوعٍ إلى الشرِّ لَما كانَ هناكَ فضلٌ للصابرينَ ، ولو كانتْ ميَّالةً إلى الفسادِ دونَ مقاومةٍ لَما كانَ هناكَ عذرٌ للعاصينَ ، لكنَّ الحكمةَ الإلهيةَ أرادتْ أنْ تجعلَ الحياةَ دارَ امتحانٍ ، والنفسَ أداةَ ذلكَ الامتحانِ ؛ تُزيّنُ المعصيةَ في عينِ صاحبِها كي يقعَ في الفتنةِ ، ثمَّ تُحاسبهُ على اختيارِه يومَ لا ينفعُ مالٌ ولا بنونَ . 

فالنفسُ ليستِ شرّيرةً بذاتِها ، لكنَّها مَجْبولةٌ على حبِّ الشهواتِ ، مُعرَّضةٌ لوساوسِ الشيطانِ الذي يُقسمُ بأن يُضلَّ الإنسانَ عن سواءِ السبيلِ ، تُغالطُ النفسُ صاحبَها بأنَّ الذنبَ صغيرٌ ، وأنَّ التوبةَ قريبةٌ ، وأنَّ العمرَ طويلٌ ، لكنَّها تعلمُ في أعماقِها أنَّ كلَّ خطيئةٍ هي شوكةٌ تُغرزُ في طريقِ الآخرةِ ، وكلَّ لذةٍ محرمةٍ هي سهمٌ يُمزقُ أجنحةَ الروحِ .

فحينَ يُصغي المرءُ لوسواسِها ، يظنُّ أنَّه يخدعُ اللهَ ، لكنَّه في الحقيقةِ يخدعُ نفسَهُ ، ويُحمّلها وِزرًا سيُثقلهُ يومَ تُحشرُ الخلائقُ حفاةً عراةً . 

أيها القارئ لازم تعرف إنَّ العذابَ الذي ينتظرُ النفسَ في النارِ ليسَ انتقامًا من اللهِ ، بل هو عدلٌ يُنصفُ كلَّ مظلومٍ ، ويُجازي كلَّ مُسيءٍ ، فالنفسُ التي أصرَّتْ على المعصيةِ ، واستخفَّتْ بوعيدِ اللهِ ، ستجدُ نفسَها في موقفِ الخزيِ الأبديِّ ؛ تُذكّرُها النارُ بكلِّ مرةٍ فضَّلتْ فيها الهوى على طاعةِ الله ، وكلِّ مرةٍ باعتْ فيها رضا الخالقِ بلذةٍ عابرةٍ . حتى إنَّ الجسدَ الذي كانَ أداةَ المعصيةِ يشهدُ عليها يومَ القيامةِ ، فيقولُ : ” ربِّ إنَّها أغوتني ” ، فكيفَ باللهِ تُنكرُ النفسُ ما فعلتْ ؟! 

فالتحدي الأكبرُ للإنسانِ هو أنْ يروضَ نفسَهُ ، لا أنْ يستسلمَ لرغباتِها ، فالنفسُ كالنارِ ، إنْ أطعْتَها أحرقتْكَ ، وإنْ أخضعْتَها أضاءتْ لكَ ، فكلُّ مقاومةٍ لها هي خطوةٌ نحوَ الفوزِ بالجنةِ ، وكلُّ تساهلٍ معها هو إنزلاقٌ نحوَ الهاويةِ .

صحيحٌ أنَّ المعصيةَ تُشعرُ المرءَ بلذةٍ آنيةٍ ، لكنَّها سرعانَ ما تتحولُ إلى ألمٍ وحسرةٍ ، بينما الطاعةُ قد تكونُ مُجهدةً في البدايةِ ، لكنَّها تُورثُ طمأنينةً لا تُوصفُ ، فالفرقُ بينَ المؤمنِ والمنافقِ أنَّ الأولَ يُجاهدُ نفسَهُ ليرتقي ، والثاني يُسلمُ قيادَهُ لهواها فيهوي . 

أليسَ منَ العجيبِ أنَّ النفسَ التي كانتْ تُضحّي بالخلودِ في الجنةِ لأجلِ شهوةٍ عابرةٍ ، ستكونُ أولَ المُعذَّبينَ بنارٍ تأكلُ الجلودَ ؟
أليسَ منَ المُحزنِ أنَّها تُدركُ حجمَ الغبنِ بعدَ فواتِ الأوانِ ، فتصرخُ : { رَبِّ ارْجِعُونِ  لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ } ، لكنَّ الصراخَ يضيعُ في عوالمِ الآخرةِ ؟! 

فيا مَنْ تُسابقُ الساعاتِ في ملذاتِ الدنيا ، اعلَمْ أنَّ كلَّ نفَسٍ تتنفسُه هو رصيدٌ قد ينفدُ فجأةً ، وأنَّ كلَّ شهوةٍ تُسكتُها هي جمرةٌ تُطفئُها قبلَ أنْ تُحرقَ قلبَكَ ، فالنجاةُ ليستْ في هروبٍ منَ الفتنةِ ، بل في مواجهتِها بقوةِ إيمانٍ ، والانتصارُ ليسَ في عدمِ الوقوعِ في الخطيئةِ ، بل في القيامِ بعدَ كلِّ عثرةٍ .
فواللهِ ما خلقَ اللهُ النارَ إلا لِتُحرقَ نفوسًا اختارتِ الضلالَ ، وما خلقَ الجنةَ إلا لِتُنعّمَ نفوسًا آثرتِ الهدى ، فانظروا أيَّ نفوسٍ أنتمْ تُغذونَ ، فربَّ لحظةِ صبرٍ تُنقذُك منْ آلافِ السنينَ في الظلماتِ.

واعلموا أنَّ اللهَ لا يظلمُ نفسًا شيئًا ، لكنَّ النفوسَ هي التي تظلمُ نفسَها …
فمَنْ ذا الذي سيُنقذُ نفسَهُ قبلَ أنْ تُصبحَ في عدادِ الخاسرينَ ؟!

سنلتقى إن كان فى العمر بقيه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى