مشاهير

قاضي الشعراء المستشار الجليل / محمد طلبه شعبان يكتب : دور الأكاديمية العسكرية في هندسة المجتمع وبناء منظومة القيم الحضارية

قاضي الشعراء المستشار الجليل / محمد طلبه شعبان يكتب :
دور الأكاديمية العسكرية في هندسة المجتمع وبناء منظومة القيم الحضارية


==========
لا شك أن البناء بوجه عام عملية مجهدة وشاقة ، أما الهدم فهو أسهل وأيسر بكثير ، فلكي تبني بيتا صغيرا ( أول لبنة في بناء مجتمع ) تجد نفسك أولا أمام أسئلة تحتاج لإجابات ومتطلبات ضرورية ولازمة ، فإما أن تهدم بيتك القديم وتنظف الأرض من بقايا الهدم والإزالة وتحفر حتى تأتي بالتربة الصحيحة ، وإما تشتري قطعة أرض جديدة وتستبدل بيتك القديم بها أو تقوم بترميمه وتجعله مزارا تاريخيا تجتر فيه الذكريات الجميلة أو حتى البائسة ؛ وفي جميع الأحوال تحتاج الأمور إلى قدرة مالية وتمويل قد يكون غير متاح على نحو يفرض عليك التفكير بطريقة واقعية تحقق أهدافك في حدود إمكانياتك ؛ فالتطور العالمي يسابق الزمن وما كان يمكن للأجيال القبول به لم يعد متصورا الآن مجرد قبول التعايش معه أصلا لا من الجيل الحالي ولا الأجيال القادمة ؛ فبيوتنا تحتاج إلى الكهرباء المستمرة والماء النظيف والغاز الطبيعي والتليفونات والإنترنت عالي السرعة وما يرتبط بها من أجهزة لوحية وكمبيوترات وأنظمة ذكية ، ولست مبالغا لو قلت إنها جميعا أصبحت من الضرورات وليست الرفاهيات ، وهذه الخدمات تحتاج إلى ميزانيات ونفقات طائلة مرهقة لميزانية أي فرد ولو كان من الأغنياء و لا تستطيع أعتى الدول وأغناها القيام بهذه الضروريات الحياتية لمواطنيها وحدها او حتى تساهم في بعضها بنصيب كبير ؛ لذلك حين فكر العقل الحكومي المصري في بناء الجمهورية الجديدة لم يفكر في الهدم من اجل اعادة البناء بمفرده وبعقلية تقليدية لان ذلك يحتاج إلى أموال طائلة ليست متوفرة لديه ولا تستطيع الدولة توفيرها ببساطة ويسر ولذلك اختار السير في البناء على مسارين متوازيين ؛ ترميم الموروث الحضاري القديم وجعله مصدرا لتعظيم الدخل القومي ، والسير بالبناء الحديث هناك في الأراضي الجديدة بأساليب اقتصادية تحافظ على الامن القومي وتحقق وفرة وسيولة مالية ففتحت الاستثمار العقاري للمستثمرين شأنها شأن كل الدول ؛ والقول ببيع الدولة لأصولها كلام غير علمي ومضلل ، بل على العكس هو توجه ناجح ومقبول اقتصاديا ويتماشى مع ظروفنا ومتطلباتنا المرحلية فمن يشتري بيتا او عقارا او بنكا او يحصل على امتياز ادارة ميناء بشروط الدولة المصرية لن يسيطر على قرارها وإلا كان المصريون الذين يشترون بيوتا ومجمعات في بريطانيا وتركيا ودبي كذلك ،
على أية حال فان هذه الطريقة في مقاربة البناء و التطوير العمراني والتنموي في الجمهورية الجديدة يجب ألا تغفل بُعدا مهماً وضروريا بل لا أبالغ إذا قلت ان أي بناء وتطوير عمراني لا تسبقه بخطوة عملية هندسة اجتماعية وترميم ثقافي روحي وأخلاقي للإنسان سيترتب عليه افساد كل جهود التنمية ويجعلنا كمن نحرث في الماء ؛ وعليه يتعين التركيز بشكل أوسع على بناء الإنسان المصري وإعادة صياغة مفهوم ومنظومة القيم والمبادىء الأساسية للمجتمع وأهم هذه القيم قيمة العمل وثقافة التعاطي مع متطلبات الحياة وفقا لأسس معاصرة ، وبالطبع لن يكون ذلك إلا عن طريق عملية كبرى في مجال التعليم والتثقيف تستهدف جيل الطلائع والشباب على نحو يحسن معه – من وجهة نظري – ضم وزارتي التعليم والثقافة في وزارة واحدة تسمى وزارة ( التعليم والثقافة والإرشاد القومي ) وإسنادها إلى وزير مؤهل وواعي بمتطلبات المرحلة وقادر على وضع خطة واقعية وطموحة وعرضها على القيادة الاستراتيجية لاعتمادها واستصدار قانون ملزم وجامد بها من مجلس النواب ( غير قابل للتغيير والتبديل خلال مدة عشرين سنة على الأقل ) لضمان الاستقرار اللازم لتحقيق الهدف الحضاري المنشود وبناء جيل واع ومثقف يستطيع تحمل المسؤولية الوطنية والشخصية ،
ولئن كنا نلمح توجهات جادة في هذا الاتجاه تجلت فيما تقوم به ( الاكاديمية العسكرية ) من دور لتحقيق هذا الهدف لكنني أراه غير كاف لتحقيق المنشود وربما يحتاج الأمر إلى تطوير في هذا الكيان التربوي الوطني المبهر وذلك بتغيير شكلي وموضوعي في البناء الهيكلي والموضوعي للأكاديمية وذلك على النحو التالي :

اولا : تغيير اسمها ليكون (الأكاديمية الوطنية ) أو ( الأكاديمية الاستراتيجية) أو ( الاكاديمية الاستراتيجية الوطنية ) وهذا العنوان يخرج بنشاطها من الهدف العسكري الضيق الي الهدف الاستراتيجي الأرحب ويوسع نشاطها ليشمل ليس فقط الموظفين بالدولة

ثانيا : توسيع نشاط الأكاديمية رأسيا وأفقيا ليشمل ليس فقط الموظفين الجدد وإنما يمتد ليشمل جميع فئات المجتمع في كل ربوع الوطن على نحو يسمح بإنشاء فروع لها في كل المحافظات والأخذ بالدورات التدريبية الافتراضية عن بعد

ثالثا : يجب أن يناط بالأكاديمية دور فعال في اكتشاف وتبني الكفاءات والمواهب والقدرات البشرية من خلال الدورات النوعية ورعايتها وتقديمها الي المواقع المناسبة في منظومة الدولة على أسس من الشفافية وتكافؤ الفرص على نحو يخلق مناخ المنافسة ويحرض الشباب على على الاجتهاد ويبعث روح الانتماء من جديد ويعجل بالانتقال بالأمة المصرية إلى فضاء حضاري جديد يتصل بالفضاء الحضاري المتراكم للدولة المصرية القديمة والمعاصرة لنبني عليه ؛ ويكون فيها الفرد المصري هو قاطرة البناء والتنمية والتطوير بالمفهوم الشامل للتنمية إذا أحسنا استثماره على الطريقة الألمانية او اليابانية أو الصينية ؛

ونعتقد جازما أن مصر قادرة بعزيمة شعبها وقادتها على بناء زخم حضاري معاصر يكون ظهيرا اجتماعياً وسياسيا لثورة البناء والتطوير والتنمية التي بدأت قبل عشر سنوات .
حفظ الله مصر وشعبها وقيادتها .
==================
المستشار / محمد طلبه شعبان
رئيس المكتب الفني للمحكمة الكلية وعضو لجنة الحراس القضائيين بدولة الكويت السابق، عضو اتحاد كتاب مصر
في ٢٢ ديسمبر ٢٠٢٣

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى