ماذا لو كان بطرس بطرس غالي أمينًا عامًا للأمم المتحدة أثناء حرب غزة؟ إعداد: [ولاء سعيد الحمضيات ]

باحثة دكتوراه في الاقتصاد والعلوم السياسية / إدارة عامة – جامعة القاهرة
هذا المقال هو محاولة تحليلية تستند إلى تخصصي في الإدارة العامة الدولية، لفهم كيف يمكن للقيادة الأممية، عند تحلّيها بالاستقلال والبعد الاستباقي، أن تغيّر من واقع النزاعات والكوارث الدولية. ومن خلال نموذج بطرس بطرس غالي، أسعى إلى إبراز كيف أن الفكر الوقائي والإداري الجاد داخل المؤسسات الدولية قادر على أن يكون فاعلًا في إدارة الأزمات، لا مجرد متفرج عليها.
مقدمة
تُعد الحرب على غزة من أكثر الكوارث الإنسانية والسياسية تعقيدًا في التاريخ المعاصر، حيث اجتمع فيها العنف المفرط، والانقسام الدولي، والعجز الأممي. ولو قُدّر أن يقود الأمم المتحدة خلال هذه الأزمة شخصية دولية تتمتّع بالاستقلال والجرأة، مثل بطرس بطرس غالي، لكان المشهد الأممي مختلفًا في استجابته وحضوره.
في هذا المقال، سنحاول استشراف ما كان يمكن أن يقوم به بطرس بطرس غالي لو كان في منصب الأمين العام للأمم المتحدة أثناء الحرب على غزة، بالاعتماد على فكره، وممارساته، وتجربته خلال ولايته بين عامي 1992 و1996.
منهج بطرس بطرس غالي في الدبلوماسية الدولية
كان بطرس غالي أول عربي وإفريقي يتولّى منصب الأمين العام للأمم المتحدة. وقد تميّز بتبنّيه نهجًا استباقيًا في إدارة النزاعات، من خلال:
تطوير مفهوم الدبلوماسية الوقائية.
– تقديم وثيقة تاريخية بعنوان “خطة للسلام – An Agenda for Peace” عام 1992.
– الدعوة إلى استقلال القرار الأممي عن الهيمنة الغربية.
– الدفاع عن حقوق الإنسان وكرامة الشعوب حتى في وجه القوى الكبرى.
كيف كان سيتعامل مع حرب غزة؟
استنادًا إلى توجهاته وسلوكياته السابقة، يمكن تصوّر مجموعة من الخطوات التي كان سيتخذها:
1. التحرك العاجل وطلب وقف إطلاق النار: كان بطرس غالي سيتحرّك فورًا لتحذير المجتمع الدولي من خطورة المأساة في غزة، ويطالب بعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن.
2. تفعيل الدبلوماسية الوقائية والوساطة المباشرة: من المرجّح أن يُرسل مبعوثًا خاصًا إلى غزة ودول الجوار، أو يتدخّل شخصيًا في جهود الوساطة.
3. الدعوة إلى إنشاء ممر إنساني أو قوة مراقبة: كان سيقترح نشر بعثة أممية لحماية المدنيين، أو على الأقل مراقبة الوضع الإنساني.
4. فتح تحقيق دولي في الجرائم والانتهاكات: كان سيُطالب بتحقيق مستقل في الانتهاكات المرتكبة بحق المدنيين، وتقديم تقرير رسمي إلى مجلس الأمن.
5. قيادة معركة إعلامية وأخلاقية عالمية: كان سيستخدم الإعلام الدولي كمنبر للدفاع عن الشعب الفلسطيني، ويضع الحرب في إطارها الأخلاقي والإنساني.
خاتمة
إن بطرس بطرس غالي لم يكن مجرد موظف دولي، بل كان قائدًا مبادرًا بفكر مستقل وجرأة أخلاقية. وقد دفع ثمن مواقفه حين رفضت الولايات المتحدة التجديد له. ولو كان موجودًا أثناء الحرب على غزة، لكان قد أعاد إلى الأمم المتحدة شيئًا من مصداقيتها المفقودة، ووظّف كل أدوات الدبلوماسية الوقائية لحماية المدنيين، ووقف نزيف الدم، وفضح ازدواجية المعايير.
لقد كان، ببساطة، صوتًا عالميًا للضمير في زمن التواطؤ الدولي.
من خلال تخصصي في الإدارة العامة الدولية، أرى أن بطرس بطرس غالي لم يكن فقط نموذجًا أمميًا، بل يمثل حالة دراسية حية لتطبيق مفهوم القيادة الدولية الوقائية. فقد جمع بين التنظير والممارسة في إطار مؤسسي دولي، وسعى لتطوير أدوات إدارة الأزمات قبل تفاقمها، مما يجعله مثالًا يُدرَّس في إطار الحوكمة العالمية وإصلاح المنظمات الدولية.
وباعتباري باحثة في الإدارة العامة الدولية، أرى أن استجابة بطرس بطرس غالي المتوقعة تنبع من تبنّيه لفلسفة الإدارة الوقائية للنزاعات، حيث كان يسعى إلى تحريك الأدوات المؤسسية للأمم المتحدة استباقيًا، وليس بعد وقوع الكارثة. وهذا يتقاطع مع أحد أهم مرتكزات الإدارة العامة الدولية المعاصرة: تحويل المنظمات الدولية من كيانات بيروقراطية إلى فواعل نشطة في الحوكمة العالمية.
المراجع
1. Boutros-Ghali, B. (1992). An Agenda for Peace. United Nations.
2. Weiss, T. G., & Daws, S. (2007). The Oxford Handbook on the United Nations. Oxford University Press.
3. United Nations Archives. Statements and Speeches by Secretary-General Boutros Boutros-Ghali (1992–1996).
4. Shaw, M. (2000). Theory of the Global State. Cambridge University Press.
5. تقرير لجنة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في النزاع في غزة (مجلس حقوق الإنسان، 2009)
.