أم دينار … قرية الذكاء المُهمَل بين وعود المسؤولين وآلام الأهالي ، ففيها قرآن يُتلى وإهمال يُدمي القلوب

بقلم : الكاتب الصحفى أيمن شاكر
رئيس قسم الأدب ومتخصص فى التنمية البشرية وتطوير الذات
قال الله تعالى فى كتابه العزيز :-
{ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ۚ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ } سوره الأعراف الأيه (56)
في قلب ريف الجيزة ، حيث تتناثر بيوت العلماء والبسطاء ، تقف قرية ” أم دينار ” في مركز منشأة القناطر ، كشاهد صامت على إهمالٍ مُتعمَّد ، رغم أنها تنجب العُلماء والأطباء والمهندسين ، بل وتُخصِّب الوطن بكوادره الشبابية الواعدة .
فكيف لقريةٍ تحمل في جيناتها إرثًا من العطاء أن تظلّ غارقةً في مستنقع الإهمال ، تُنازع للحصول على أبسط حقوقها الإنسانية ؟
فلا يُصدّق الزائر ” لأم دينار ” أن هذه القرية الصغيرة هي ذاتها التي أنجبت عُلماء الأزهر ، وصنعت من أبنائها صحفيين يكتبون هموم الوطن ، إلا أنهم يعجزون عن كتابة هموم قريتهم في سجلات المسؤولين ، فالشوارع هنا ليست مجرّد ” طرق غير ممهدة ” بل هي كوابيس يومية تُذلّ كبار السن ، وتعيق وصول الإسعافات ، وتجعل الذهاب إلى المدرسة رحلةً محفوفة بالمخاطر بسبب المياه الملوثه وغرف الصرف البدائيه المفتوحه .
أما بيوت الأهالي التي غمرتها مياه الصرف الصحي ، فباتت جدرانها تشهد على معاناةٍ صحيةٍ تُحوّل الحياة إلى جحيم ، خاصةً مع صمت الجهات المعنية عن شكاوى الأهالي المتكررة ، وكأنّ صوت الفقراء لا يصل !
ففي ظلِّ مبادرة ” حياة كريمة ” التي أطلقَتْها القيادة السياسية المصرية لإنقاذ القرى الفقيرة من براثن الإهمال ، تظل قرية { أم دينار } ، شاهدةً على فجوةٍ عميقة بين الوعود الرسمية والواقع المُعاش ، فهى تستحق أن تكون نموذجًا
لـ” الجمهورية الجديدة ” ، إلا أن إهمال المسؤولين المحليين حوَّلها إلى مثالٍ صارخٍ للقهر المُمنهج !
مبادرة ” حياة كريمة ” بين الحُلم والواقع …
من المنٓافق أن نُنكر جهود الدولة لتحسين أوضاع القرى عبر مبادرةٍ طموحة .
لكن كيف تُطبَّق هذه المبادرة في { أم دينار }بينما لا يزال أبناؤها يغوصون في مياه الصرف الصحي التي اجتاحت منازلهم ؟
كيف تُوصف المبادرة بالنجاح والطرق هنا أشبه بمسالك حيوانات برية ؟ ، والكهرباء تنقطع بشكل شبه يومي ، وبين كل هذا ، تُحيط مقالب القمامة بالمنازل ، كعلاماتٍ عارٍ في جبين القرية ، كما لو كانت جزءًا من تصميمها ، حيث تعوّد الأهالي على روائحها الكريهه ، بينما ترفض البلديات تنفيذ حملات نظافةٍ دورية ، وكأنّ هذه القرية ليست جزءًا من خريطة مصر !
إن تقاعس المسؤولين عن تنفيذ توجيهات القيادة السياسية ليس إلا تخريبًا متعمدًا لجهود الدولة ، وإفسادًا في الأرض بعد إصلاحها ، وهو ما حذَّر منه القرآن الكريم :- { وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا }
فلا يحتاج الأمر إلى عينٍ ناقدة لترى معاناة الأهالي ، فبيوتٌ آيلة للسقوط ، وشوارع تملؤها القمامه ، وأطفالٌ يلهون بـ” صواريخ ” تُشوِّش على طالبٍ يحاول اجتياز امتحاناته ، وشبابٌ طموحٌ يُحاربون الظلام لتحقيق أحلامهم .
فهل يعقل أن تكون القرية التي قدَّمت للوطن نخبةً من أصحاب الكفاءات ، تُكافأ بهذا الجحود ؟
أين المسؤولون الذين يفترض أن يكونوا أداةً لتنفيذ رؤية ” الجمهورية الجديدة ” ؟ فلا عثرةً في طريقهم .
كلمتى إلى المسؤولين :-
كم عالماً يجب أن تُنجب { أم دينار } لتستحق حياةً كريمة ؟
كم طبيبًا يجب أن يخرج من بين بيوتها الغارقة في الصرف الصحي لتنتبهوا إليهم ؟
إننا لا نطلب مُنجزاتٍ خارقة ، بل نطلب طريقًا ممهدًا ، وتيارًا كهربائيًا مستقرًا ، وبيئةً نظيفةً لأطفالنا ومُسنينا ، وبيوتاً لم يُغرقها مياه الصرف .
أليس من العار أن تظلّ قرى مصر التي تُضيء بعلمائها ، غارقةً في الظلام ؟
إن تجاهل شكاوى ونداءات الأهالي التي تُرسل بالآلاف للمسئولين يُذكِّرنا بقول الله تعالى :-
{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشْعُرُونَ (12) } ( البقره )
نداء إلى ضمير الوطن :-
إن إهمال قرية مثل ” أم دينار ” رغم إمكاناتها البشرية الاستثنائية ، لا يُهدِّد مستقبل أبنائها فحسب ، بل يُلطِّخ صورة مصر التي تسعى للعبور إلى المستقبل ، فكيف ننشئ ” جمهورية جديدة ” بمسؤولين لا يُحاسبون على إفسادهم ؟ وكيف نَطلب من الشباب الإيمان بالوطن وهو يُكافئ بالمعاناة ؟
” فلكي الله يا مصر .. ولكي الله يا قريتي الحبيبة ، فأنتِ تستحقين أكثر من أن تكونى ضحية إهمالٍ يُناقض تعاليم ديننا وقيم ثورتنا ”
فأم دينار ليست مجرد أرضٍ وحجر ، بل هي قلبٌ ينبض بالكرامة والأمل ، فهل نسمع صرخات أبنائها قبل أن تتحول دموعهم إلى ريحٍ تأخذ أحلامهم إلى حيث لا يعودون ؟
فاللهم احفظ مصر من كل مَن يُبطئ مسيرتها ، وارزق أبناء { أم دينار } الصبر حتى يأتي الفرج بقدرة الواحد القهار .
{ رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ } صدق الله العظيم .
سنلتقى إن كان فى العمر بقيه