التجاهل فنٌّ … كيف تصقل قوتك بالتركيز على ما يهم ؟

بقلم : أيمن شاكر
نائب رئيس قسم الأدب
في زحمة الحياة وتشعُّب علاقاتها ، تبرزُ قوةُ الإنسانِ ليس بما يجمعه من كلماتٍ أو ردود أفعال ، بل بما يختار ألّا يُعطيه من وقتهِ وطاقته. فالنُضج الحقيقي لا يُقاس بكمِّ ما نعرفه ، بل بكمِّ ما نتحاشاه ، لأن الذكاء العاطفي يَكمُن في حمايةِ الفكرِ من ” النفايات العقلية ” التي تُلوِّثُ مساحته ، وتسرقُ بريقه.
التجاهلُ … انتصارٌ صامتٌ على كلِّ ما يُصغِّرُك
ليست القدرة على التجاهل هروبًا أو جُبنًا ، بل هي إستراتيجيةٌ واعية لتحرير الذات من حربِ التفاهات . فالشخصُ القويّ لا ينخدع بصراخِ الجاهلين ، ولا ينشغلُ بترهاتِ المُستفزين ، لأنه يدرك أن الردَّ على كلِّ كلمةٍ عبثيةٍ هو انزياحٌ عن المسارِ الأهم ، كالشجرةِ الحكيمة التي لا تناقشُ الرياحَ العاتية ، بل تُمرِّرُها بين أغصانها بهدوءٍ لتستمرَّ في النمو.
ما الذي يستحقُّ التجاهل حقًّا ؟
1. الجاهلون : من يُلقونَ الأحجارَ في بحيرةِ عقلك ليُقلقوا صفاءها. إيّاك أن تسمحَ لجهلهم أن يُعلِّمك فنَّ التشويش.
2. المُستفزون : مَن يتلاعبونَ بمشاعرك كي يَجرُّوك إلى حلبتهم. تذكّر: الفخَّ لا يُصطادُ إلا إذا اقتربتَ منه.
3. الكلامُ الفارغ : كالفقاعاتِ الصابونية، تلمعُ للحظةٍ ثم تختفي. لا تُبددُ أنفاسَكَ في نقاشٍ بلا جوهر.
4. التفاهات : كالغبارِ الذي يعلقُ على النافذة، امسحهُ بمنديلِ التجاهل كي ترى العالمَ بوضوح.
5. المُتجاهلون : لا تكررُ نداءَ مَن يُصمُّ أذنيه. كرامتُك أعلى من أن تُهدَرَ في انتظارِ مَن لا يُقدِّرُها.
النُضج : انتقاءٌ واعٍ لِما يُغذّي الروحَ والعقل
الوعيُ هو البوصلةُ التي تُرشدك إلى ما يستحقُّ الاهتمام: أهدافٌ تُحققها ، علاقاتٌ تَعمقها ، معرفةٌ تُثريك. فكما يختارُ النحلُ رحيقَ الأزهارِ بعناية ، اختر أنتَ ما يُثري فكرَكَ وقلبَك . لا تكنْ كالقبرِ الذي يَجمعُ الأحجار ، بل كالنهرِ الذي يَصنعُ مسارَه بالتخلّصِ من الشوائبِ في طريقه.
في الختام : حياتُك مرآةُ ما تركّز عليه
القوةُ الحقيقيةُ ليست في أن تكونَ صندوقَ رَدٍّ على كلِّ شيء، بل في أن تكونَ قلعةً مُحصَّنةً تُقررُ متى تفتحُ أبوابها. فالتجاهلُ ليس تجاهلًا للآخرين، بل هو احترامٌ للذات، وتكريسٌ لِما يُنبِتُ فيها السلامَ والإنجاز
اِسأل نفسَكَ دائمًا:
هل هذا الشيءُ يستحقُّ أن يكونَ جزءًا مني ؟ فإن لم يكُن ، فدعهُ يمرُّ كسحابةٍ عابرةٍ في سماءِ وعيك.
سنلتقى إن كان فى العمر بقيه